( إن عبادي ) المخلصين لي( ليس لك عليهم سلطان ) ، ولا لك فيهم تأثير ، ولا تملك أن تزين لهم لأنك عنهم محصور ، ولأنهم منك في حمى ، ولأن مداخلك إلى نفوسهم مغلقة ، وهم يعلقون أبصارهم بالله ، ويدركون ناموسه بفطرتهم الواصلة إلى الله . إنما سلطانك على من اتبعك من الغاوين الضالين . فهو استثناء مقطوع لأن الغاوين ليسوا جزءا من عباد الله المخلصين . إن الشيطان لا يتلقف إلا الشاردين كما يتلقف الذئب الشاردة من القطيع . فأما من يخلصون أنفسهم لله ، فالله لا يتركهم للضياع . ورحمة الله أوسع ولو تخلفوا فإنهم يثوبون من قريب !
وقوله : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } أي : الذين قدرت لهم{[16161]} الهداية ، فلا سبيل لك عليهم ، ولا وصول لك إليهم ، { إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ } استثناء منقطع .
وقد أورد ابن جَرير هاهنا من حديث عبد الله بن المبارك ، عن عبد الله بن موهب{[16162]} حدثنا يزيد بن قُسَيْط قال : كانت الأنبياء يكون لهم مساجد خارجةً من قراهم ، فإذا أراد النبي أن يستنبئ ربه عن شيء ، خرج إلى مسجده فصلى ما كتب الله له ، ثم سأل ما بدا له ، فبينا نبي في مسجده إذ جاء عدو الله - يعني : إبليس - حتى جلس بينه وبين القبلة ، فقال النبي : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . [ فقال عدو الله : أرأيت الذي تَعَوّذ منه ؟ فهو هو . فقال النبي : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ]{[16163]} قال : فَردّد{[16164]} ذلك ثلاث مرات ، فقال عدو الله : أخبرني بأي شيء تنجو مني ؟ فقال النبي : بل أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم ؟ مرتين ، فأخذ كل [ واحد ]{[16165]} منهما على صاحبه ، فقال النبي : إن الله تعالى يقول : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ } قال عدو الله : قد سمعت هذا قبل أن تولد . قال النبي : ويقول الله : { وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ الأعراف : 200 ] وإني{[16166]} والله ما أحسست بك قط إلا استعذت بالله منك . قال عدو الله : صدقت ، بهذا تنجو مني . فقال النبي : " أخبرني بأي شيء تغلبُ ابن آدم " ؟ قال : آخذه عند الغضب والهوى{[16167]}
قال القاضي أبو محمد : والظاهر من قوله { عبادي } : الخصوص في أهل الإيمان والتقوى لا عموم الخلق ، وبحسب هذا يكون { إلاَّ من اتبعك } مستثنى من غير الأول ، التقدير لكن من اتبعك من الغاوين لك عليهم سلطان ، وإن أخذنا العباد عاماً في عباد الناس إذ لم يقرر الله لإبليس سلطاناً على أحد فإنا نقدر الاستثناء في الأقل في القدر{[7173]} من حيث لا قدر للكفار ، والنظر الأول أصوب ، وإنما الغرض أن لا تقع في استثناء الأكثر من الأقل ، وإن كان الفقهاء قد جوزوه ، قال أبو المعالي ليس معروفاً في استعمال العرب ، وهذه الآية أمثل ما احتج به مجوزوه .
إطلاق { الغاوين } من باب إطلاق اسم الفاعل على الحصول في المستقبل بالقرينة لأنه لو كان غاوياً بالفعل لم يكن لسلطان الشيطان عليه فائدة . وقد دلّ على هذا المعنى تعلّق نفي السلطان بجميع العباد ، ثم استثناء من كان غاوياً .
فلما كان سلطان الشيطان لا يتسلط إلا على من كان غاوياً علمنا أن ثمّة وصفاً بالغواية هو مهيَىءُ تسلطِ سلطان الشيطان على موصوفه . وذلك هو الموصوف بالغواية بالقوة لا بالفعل ، أي بالاستعداد للغواية لا بوقوعها .
فالإضافة في قوله تعالى : { عبادي } للعموم كما هو شأن الجمع المعرّف بالإضافة ، والاستثناء حقيقي ولا حَيرة في ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.