الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ} (42)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

إن عبادي ليس لك عليهم حجة، إلا من اتبعك على ما دعوته إليه من الضلالة ممن غوى وهلك...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ليس لك عليهم سلطان} أي ليس لك عليهم حجة {إلا من اتبعك من الغاوين} فإنهم يتبعونك بلا حجة ولا برهان.

ويحتمل قوله: {ليس لك عليهم سلطان} تقهرهم، وتضطرهم على ذلك {إلا من تبعك من الغاوين} فإنهم يتبعونك على غير قهر ولا اضطرار، أي من كان في علم الله أن يتبعك، ويختار الغواية، وإن لم يكن إغواؤك إياه، فإن لك عليه سلطانا.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} قوة. قال أهل المعاني: يعني على قلوبهم.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

"إن عبادي ليس لك عليهم سلطان"، إخبار منه تعالى أن عباده الذين يطيعونه وينتهون إلى أمره ويجتنبون معاصيه ليس للشيطان عليهم سلطان ولا قدرة أكثر من أن يغويهم، فإذا لم يقبلوا منه ولم يتبعوه، فلا يقدر لهم على ضر ولا نفع... ثم استثنى تعالى من جملة العباد من يتبع إبليس على إغوائه وينقاد له ويقبل منه، لأنه إذا قبل منه، صار له عليه سلطان بعدوله عن الهدى إلى ما يدعوه إليه من اتباع الهوى، فيظفر به إبليس.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

السلطان: الحجة، وهي لله على خَلْقه، وليس للعدوِّ حجة على مخلوق، إذ لا تَتَعدَّى مقدرتُه محلَّه، فلا تَسلَّطَ- في الحقيقة -لمخلوق بالتأثير فيه.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن إبليس لما قال: {لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} أوهم هذا الكلام أن له سلطانا على عباد الله الذين يكونون من المخلصين، فبين تعالى في هذه الآية أنه ليس له سلطان على أحد من عبيد الله سواء كانوا مخلصين أو لم يكونوا مخلصين، بل من اتبع منهم إبليس باختياره صار متبعا له، ولكن حصول تلك المتابعة أيضا ليس لأجل أن إبليس يقهره على تلك المتابعة أو يجبره عليها، والحاصل في هذا القول: أن إبليس أوهم أن له على بعض عباد الله سلطانا، فبين تعالى كذبه فيه، وذكر أنه ليس له على أحد منهم سلطان ولا قدرة أصلا، ونظير هذه الآية قوله تعالى حكاية عن إبليس أنه قال: {وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي} وقال تعالى في آية أخرى: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون}.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

قلت: لعل قائلا يقول: قد أخبر الله عن صفة آدم وحواء عليهما السلام بقوله:"فأزلهما الشيطان" [البقرة: 36]، وعن جملة من أصحاب نبيه بقوله: "إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا "[آل عمران: 155] فالجواب ما ذكر، وهو أنه ليس له سلطان على قلوبهم، ولا موضع إيمانهم، ولا يلقيهم في ذنب يؤول إلى عدم القبول، بل تزيله التوبة وتمحوه الأوبة...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ثم شرح ذلك بقوله -مضيفاً جميع العباد إليه كما هو الحقيقة، نافياً ما قد يوهمه الكلام من أن لإبليس عملاً مستقلاً -: {إن عبادي} أي عامة {ليس لك} أي بوجه من الوجوه {عليهم سلطان} أي لتردهم كلهم عما يرضيني {إلا من اتبعك} أي بتعمد منه ورغبة في اتباعك {من الغاوين} ومات عن غير توبة؛ فإني جعلت لك عليهم سلطاناً بالتزيين والإغواء، وقيل وهو ظاهر: إن الإضافة للتشريف، فلا تشمل إلا الخلص، فحينئذ يكون الاستثناء منقطعاً، وفائدة سوقه بصورة الاستثناء- على تقدير الانقطاع -الترغيب في رتبة التشرف بالإضافة إليه والرجوع عن اتباع العدو إلى الإقبال عليه، لأن ذوي الأنفس الأبية والهمم العلية ينافسون في ذلك المقام، ويرونه- كما هو الحق -أعلى مرام.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(إن عبادي) المخلصين لي (ليس لك عليهم سلطان)، ولا لك فيهم تأثير، ولا تملك أن تزين لهم لأنك عنهم محصور، ولأنهم منك في حمى، ولأن مداخلك إلى نفوسهم مغلقة، وهم يعلقون أبصارهم بالله، ويدركون ناموسه بفطرتهم الواصلة إلى الله. إنما سلطانك على من اتبعك من الغاوين الضالين. فهو استثناء مقطوع لأن الغاوين ليسوا جزءا من عباد الله المخلصين. إن الشيطان لا يتلقف إلا الشاردين كما يتلقف الذئب الشاردة من القطيع. فأما من يخلصون أنفسهم لله، فالله لا يتركهم للضياع. ورحمة الله أوسع ولو تخلفوا فإنهم يثوبون من قريب!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

إطلاق {الغاوين} من باب إطلاق اسم الفاعل على الحصول في المستقبل بالقرينة لأنه لو كان غاوياً بالفعل لم يكن لسلطان الشيطان عليه فائدة. وقد دلّ على هذا المعنى تعلّق نفي السلطان بجميع العباد، ثم استثناء من كان غاوياً. فلما كان سلطان الشيطان لا يتسلط إلا على من كان غاوياً علمنا أن ثمّة وصفاً بالغواية هو مهيَئ تسلطِ سلطان الشيطان على موصوفه. وذلك هو الموصوف بالغواية بالقوة لا بالفعل، أي بالاستعداد للغواية لا بوقوعها. فالإضافة في قوله تعالى: {عبادي} للعموم كما هو شأن الجمع المعرّف بالإضافة، والاستثناء حقيقي ولا حَيرة في ذلك.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

وقوله تعالى في نهاية هذه القصة، خطابا لإبليس اللعين: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} هو الذي سيضطر إلى الاعتراف به إبليس اللعين، عندما يفتضح أمره يوم الدين، قائلا لأتباعه الغاوين، فيما حكاه كتاب الله في سورة إبراهيم: {وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} [الآية: 22]، فما نفاه الحق سبحانه عن إبليس في البداية {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} هو الذي أقر به إبليس في النهاية – {وما كان لي عليكم من سلطان}، وصدق الله العظيم إذ قال: {وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا، لا مبدل لكلماته} [الأنعام: 115].

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

وهكذا أصدر الحق سبحانه حكمه بألا يكون لإبليس سلطان على من أخلص لله عبادة، وأمر إبليس ألا يتعرض لهم؛ فسبحانه هو الذي يصونهم منه؛ إلا من ضل عن هدى الله سبحانه، وهم من يستطيع إبليس غوايتهم. وهكذا نجد أن "الغاوين "هي ضد "عبادي"، وهم الذين اصطفاهم الله من الوقوع تحت سلطان الشيطان؛ لأنهم أخلصوا وخلصوا نفسهم لله...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} لأنهم يملكون مواقفهم من حيث يملكون إيمانهم، ويسيطرون على أنفسهم من حيث يسيطرون على نوازعهم وشهواتهم، لأن من ملك نفسه ملك شهوته، ومن ملك شهوته فلا مجال لأيّ سلطان للشيطان عليه، لأن الشيطان لا يأتي الإنسان إلا من خلال نقاط الضعف التي تفتحها شهواته ونوازعه، ولهذا فإنك لا تملك أي سلطان على السائرين في هذا الاتجاه، {إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} الذين عاشوا الحياة في أجواء اللامبالاة في خط العقيدة، وساحة العمل، فضلّوا الطريق إلى الحق، والتقوا بك في أجواء الضلال، فاتبعوك في ما سوّلت لهم من معاصٍ، واستسلموا إليك في ما زينت لهم من وجه الباطل.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 41]

ثمّ قال تعالى تحقيراً للشيطان وتقوية لقلوب العباد المؤمنين السالكين درب التوحيد الخالص: (قال هذا صراط عَلَيَّ مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاّ مَنْ اتبعك من الغاوين). يعني، يا إِبليس ليس لك القدرة على إِضلال الناس، لكن الذين يتبعونك إِن هم إِلاّ المنحرفين عن الصراط المستقيم والمستجيبين لدواعي رغباتهم وميولهم. وبعبارة أُخرى.. إِنّ الإنسان حر الإِرادة، وإِنّ إِبليس وجنوده لا يقوون على أن يجبروا إِنساناً واحداً على السير في طريق الفساد والضلال، لكنّه الإنسان هو الذي يلبي دعوتهم ويفتح قلبه أمامهم ويأذن لهم في الدخول فيه! وخلاصة القول: إنّ الوساوس الشيطانية وإن كانت لا تخلو من أثر في تضليل وانحراف الإنسان، إِلاّ أنّ القرار الفعلي للانصياع للوساوس أو رفضها يرجع بالكامل إلى الإنسان، ولا يستطيع الشيطان وجنوده مهما بلغوا من مكر أن يدخلوا قلب إِنسان صاحب إِرادة موجهة صوب الإِيمان المخلص. وأراد اللّه سبحانه بهذا القول نزع الخيال الباطل والغرور الساذج من فكر الشيطان من أنّه سيجد سلطة فائقة على الناس وبلا منازع، يمكنه من خلالها إِغواء من يريد.