البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ} (42)

والعرب تقول : طريقك في هذا الأمر على فلان أي : إليه يصير النظر في أمرك .

وقال الزمخشري : هذا طريق حق عليّ أن أراعيه ، وهو أن يكون لك سلطان على عبادي ، إلا من اختار اتباعك منهم لغوايته انتهى .

فجعل هذا إشارة إلى انتفاء تزيينه وإغوائه .

وكونه ليس له عليهم سلطان ، فكأنه أخذ الإشارة إلى ما استثناه إبليس ، وإلى ما قرره تعالى بقوله : إن عبادي .

وتضمن كلامه مذهب المعتزلة .

وقال صاحب اللوامح : أي : هذا صراط عهدة استقامته عليّ .

وفي حفظه أي : حفظه عليّ ، وهو مستقيم غير معوج .

وقال الحسن : معنى عليّ إليَّ .

وقيل : عليّ كأنه من مرّ عليه مرّ عليّ أي : على رضواني وكرامتي .

وقرأ الضحاك ، وإبراهيم .

وأبو رجاء ، وابن سيرين ، ومجاهد ، وقتادة ، وقيس بن عباد ، وحميد ، وعمرو بن ميمون ، وعمارة بن أبي حفصة ، وأبو شرف مولى كندة ، ويعقوب : عليّ مستقيم أي : عال لارتفاع شأنه .

وهذه القراءة تؤكد أنّ الإشارة إلى الإخلاص وهو أقرب إليه .

والإضافة في قوله : إنّ عبادي ، إضافة تشريف أي : أنّ المختصين بعبادتي ، وعلى هذا لا يكون قوله : إلا من اتبعك ، استثناء متصلاً ، لأنّ من اتبعه لم يندرج في قوله : إنّ عبادي : وإنْ كان أريد بعبادي عموم الخلق فيكون : إلاّ من اتبعك استثناء من عموم ، ويكون فيه دلالة على استثناء الأكثر ، وبقاء المستثنى منه أقل ، وهي مسألة اختلف فيها النحاة .

فأجاز ذلك الكوفيون وتبعهم من أصحابنا الأستاذ أبو الحسن بن خروف ، ودلائل ذلك مسطرة في كتب النحو .

والذي يظهر أنّ إبليس لما استثنى العباد المخلصين كانت الصفة ملحوظة في قوله : إنّ عبادي أي : عبادي المخلصين الذين ذكرتهم ليس لك عليهم سلطان .

ومن في الغاوين لبيان الجنس أي : الذين هم الغاوون .

وقال الجبائي : هذه الآية تدل على بطلان قول من زعم أن الشيطان والجن يمكنهم صرع الناس وإزالة عقولهم كما تقول العامة ، وربما نسبوا ذلك إلى السحرة .

قال : وذلك خلاف ما نص الله تعالى عليه .