فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ} (42)

{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان } المراد بالعباد هنا : هم المخلصون ، والمراد أنه لا تسلط له عليهم بإيقاعهم في ذنب يهلكون به ، ولا يتوبون منه ، فلا ينافي هذا ما وقع من آدم وحواء ونحوهما ، فإنه ذنب مغفور لوقوع التوبة عنه { إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين } استثنى سبحانه من عباده هؤلاء . وهم المتبعون لإبليس من الغاوين عن طريق الحقّ الواقعين في الضلال ، وهو موافق لما قاله إبليس اللعين من قوله : { وَلأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين } ، ويمكن أن يقال : إن بين الكلامين [ فرقاً ] فكلام الله سبحانه فيه نفي سلطان إبليس على جميع عباده إلاّ من اتبعه من الغاوين ، فيدخل في ذلك المخلصون وغيرهم ممن لم يتبع إبليس من الغاوين ؛ وكلام إبليس اللعين يتضمن إغواء الجميع إلاّ المخلصين ، فدخل فيهم من لم يكن مخلصاً ولا تابعاً لإبليس غاوياً . والحاصل أن بين المخلصين والغاوين التابعين لإبليس طائفة لم تكن مخلصة ولا غاوية تابعة لإبليس . وقد قيل : إن الغاوين المتبعين لإبليس هم المشركون . ويدلّ على ذلك قوله تعالى : { إِنَّمَا سلطانه على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } [ النحل : 100 ] .

/خ44