فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ} (42)

{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ( 42 ) .

{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } المراد بالعباد هنا هم المخلصون ، والمراد أنه لا تسلط أنت عليهم بإيقاعهم في ذنب يهلكون به ولا يتوبون منه ، فلا ينافي هذا ما وقع من آدم وحواء أو نحوهما فإنه ذنب مغفور لوقوع التوبة عنه قال أهل المعاني معنى { عليهم } على قلوبهم ، وقال سفيان بن عيينة : معناه ليس لك عليهم قوة وقدرة على أن تلقيهم في ذنب يضيق عنه عفوي ، وهؤلاء خاصته أي الذين هداهم واجتباهم من عباده .

{ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ } استثنى سبحانه من عباده هؤلاء وهم المتبعون لإبليس { مِنَ الْغَاوِينَ } عن طريق الحق الواقعين في الضلال وهو موافق لما قاله إبليس اللعين من قوله { لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصون } .

ويمكن أن يقال بين الكلامين فرق ، فكلام الله سبحانه فيه نفي سلطان إبليس على جميع عباده إلا من اتبعه من الغاوين ، فيدخل في ذلك المخلصون وغيرهم ممن لم يتبع إبليس ، وكلام إبليس اللعين يتضمن إغواء الجميع إلا المخلصين ، فدخل فيهم من لم يكن مخلصا ولا تابعا لإبليس غاويا .

والحاصل أن بين المخلصين والغاوين التابعين لإبليس طائفة لم تكن مخلصة ولا غاوية تابعة لإبليس ، وقد قيل أن الغاوين المتبعين لإبليس هم المشركون ويدل على ذلك قوله تعالى : { إنما سلطانه على الذين يتلونه والذين هم به مشركون } قال أبو السعود : وفيه مع كونه تحقيقا لما قاله اللعين تفخيم لشأن المخلصين ، وبيان لمنزلتهم ، ولانقطاع مخالب الإغواء عنهم وإن إغواءه للغاوين ليس بطريق السلطان بل بطريق اتباعهم له بسوء اختيارهم .