اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ} (42)

قوله تعالى : { إن عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } اعلم أن إبليس لما قال { وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين } أوهم أنَّ له سلطاناً على غير المخلصين ، فبيَّن الله –تعالى- في هذه الآية أنه ليس له سلطانٌ على أحد من عبيد الله سواء كان مخلصاً أو غير مخلص ، لكن من اتبع منهم إبليس باختياره ؛ ونظيره قوله حكاية عن إبليس : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } [ إبراهيم : 22 ] ، وقوله تعالى : { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ على الذين آمَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } [ النحل : 99 ، 100 ] فعلى هذا يكون استثناء منقطعاً .

قال الجبائيُّ : " هذه الآية تدلُّ على بطلان قول من زعم أنَّ الشيطان ، والجنَّ يمكنهم صرع الناس ، وإزالة عقولهم " .

وقيل : الاستثناء متصلٌ ؛ لأنَّ المراد ب " عِبَادي " العموم ، طائعهم ، وعاصيهم و حينئذ يلزم استثناء الأكثر من الأقلِّ .

وأراد بالعباد الخلَّص ؛ لأنه أضافهم إليه إضافة تشريفٍ ، فلم يندرج فيه الغاوون ؛ للضمير في موعدهم .

قال القرطبي{[19536]} : " قال العلماء في معنى قوله تعالى : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } : يعني على قلوبهم " .

وقال ابن عيينة : " يلقيهم في ذنب ثم أمنعهم بعفوي : أو : هم الذين هداهم الله ، واجتباهم ، واختارهم ، واصطفاهم " .

فإن قيل : قد أخبر الله تعالى ، عن آدم ، وحواء -صلوات الله وسلامه عليهما- بقوله : { فَأَزَلَّهُمَا الشيطان } [ البقرة : 36 ] وعن جملة من أصحاب نبيَّه { إِنَّمَا استزلّهم الشيطان بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ } [ آل عمران : 155 ] .

فالجواب : أنه ليس له سلطان على قلوبهم ، ولا موضع إيمانهم ، ولا يلقيهم في ذنب يؤول إلى عدم العفو ، بل يزيله بالتوبة ، ولم يكن خروج آدم عقوبة على ما تقدم بيانه في البقرة .

وأما أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقد مضى القول عليه في " آل عمران " ، ثم إنَّ قوله تعالى : { لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } يحتمل أن يكون حاصلاً فيمن حفظ الله ، ويحتمل أن يكون في أكثر الأوقات ، وقد يكون ي تسليطه تفريج كربه ، وإزالة غمه ؛ كما فعل ببلالٍ ، إذْ أتاه يهديه ، كما يهدَّى الصبيُّ حتى نام ، ونام النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس ، وفزعوا ، وقالوا : ما كفَّارةُ ما صَنعنَا في تَفْريطِنَا في صَلاتِنَا ؟ فقال لهُم النبيُّ صلى الله عليه سلم " ليْسَ في النَّوْمِ تَفْرِيطٌ " ؛ ففرَّج عَنْهُم .


[19536]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 10/20.