المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيّٗا} (24)

24- فناداها الملك من مكان منخفض عنها : لا تحزني بالوحدة وعدم الطعام والشراب ومقالة الناس ، فقد جعل ربك بالقرب منك نهراً صغيراً .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيّٗا} (24)

16

وفي حدة الألم وغمرة الهول تقع المفاجأة الكبرى :

( فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا . وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا . فكلي واشربي وقري عينا ، فإما ترين من البشر أحدا فقولي : إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) .

يالله ! طفل ولد اللحظة يناديها من تحتها . يطمئن قلبها ويصلها بربها ، ويرشدها إلى طعامها وشرابها . ويدلها على حجتها وبرهانها !

لا تحزني . . ( قد جعل ربك تحتك سريا )فلم ينسك ولم يتركك ، بل أجرى لك تحت قدميك جدولا ساريا - الأرجح أنه جرى للحظته من ينبوع أو تدفق من مسيل ماء في الجبل –

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيّٗا} (24)

قرأ بعضهم { مَنْ تَحْتَهَا } بمعنى{[18763]} الذي تحتها . وقرأ آخرون : { مِنْ تَحْتِهَا } على أنه حرف جر .

واختلف المفسرون في المراد بذلك من هو ؟ فقال العوفي وغيره ، عن ابن عباس : { فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا } جبريل ، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها ، وكذا قال سعيد بن جبير ، والضحاك ، وعمرو بن ميمون ، والسدي ، وقتادة : إنه الملك جبريل عليه الصلاة والسلام ، أي : ناداها من أسفل الوادي .

وقال مجاهد : { فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا } قال : عيسى ابن مريم ، وكذا قال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة قال : قال الحسن : هو ابنها . وهو إحدى{[18764]} الروايتين عن سعيد بن جبير : أنه ابنها ، قال : أولم{[18765]} تسمع الله يقول : { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ } [ مريم : 29 ] ؟ واختاره ابن زيد ، وابن جرير في تفسيره{[18766]}

وقوله : { أَلا تَحْزَنِي } أي : ناداها قائلا لا تحزني ، { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا } قال سفيان الثوري وشعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب : { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا } قال : الجدول . وكذا قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : السريّ : النهر . وبه قال عمرو بن ميمون : نهر تشرب منه .

وقال مجاهد : هو النهر بالسريانية .

وقال سعيد بن جُبَيْر : السري : النهر الصغير بالنبطية .

وقال الضحاك : هو النهر الصغير بالسريانية .

وقال إبراهيم النَّخَعِي : هو النهر الصغير .

وقال قتادة : هو الجدول بلغة أهل الحجاز .

وقال وهب بن مُنَبِّه : السري : هو ربيع الماء .

وقال السدي : هو النهر ، واختار هذا القول ابن جرير . وقد ورد في ذلك حديث مرفوع ، فقال الطبراني :

حدثنا أبو شعيب الحَرَّاني : حدثنا يحيى بن عبد الله البَابلُتِّي{[18767]} حدثنا أيوب بن نَهِيك ، سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول : سمعت ابن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن السري الذي قال الله لمريم : { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا } نهر أخرجه الله لتشرب منه " {[18768]} وهذا حديث غريب جدًّا من هذا الوجه . وأيوب بن نهيك هذا هو الحبلي{[18769]} قال فيه أبو حاتم الرازي : ضعيف . وقال أبو زُرْعَة : منكر الحديث . وقال أبو الفتح الأزدي : متروك الحديث .

وقال آخرون : المراد بالسري : عيسى ، عليه السلام ، وبه قال الحسن ، والربيع بن أنس ، ومحمد بن عَبَّاد بن جعفر . وهو إحدى الروايتين عن قتادة ، وقول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، والقول الأول أظهر ؛ ولهذا قال بعده : { وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ } أي : وخذي إليك بجذع النخلة . قيل : كانت يابسة ، قاله ابن عباس . وقيل : مثمرة . قال مجاهد : كانت عجوة . وقال الثوري ، عن أبي داود{[18770]} نُفَيْع الأعمى : كانت صَرَفَانة{[18771]}

والظاهر أنها كانت شجرة ، ولكن لم تكن في إبان ثمرها ، قاله وهب بن منبه ؛ ولهذا امتن عليها بذلك ، أن جعل عندها طعامًا وشرابًا ، فقال : { تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا } أي : طيبي نفسًا ؛ ولهذا قال عمرو بن ميمون : ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب ، ثم تلا هذه الآية الكريمة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا شَيْبَان ، حدثنا مسرور بن سعيد التميمي{[18772]} حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن عُروة بن رُوَيْم ، عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكرموا عمتكم النخلة ، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام ، وليس من الشجر شيء{[18773]} يُلَقَّح غيرها " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أطعموا نساءكم الولدَ الرطَبَ ، فإن لم يكن رطب فتمر ، وليس من الشجرة شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران " .

هذا حديث منكر جدًّا ، ورواه أبو يعلى ، عن شيبان ، به{[18774]}

وقرأ بعضهم قوله : " تساقط " بتشديد السين ، وآخرون بتخفيفها ، وقرأ أبو نَهِيك : { تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا } وروى أبو إسحاق عن البراء : أنه قرأها : " تساقط " {[18775]} أي : الجذع . والكل متقارب .

وقوله : { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا } أي : مهما رأيت من أحد ، { فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا } المراد بهذا القول : الإشارة إليه بذلك . لا أن{[18776]} المراد به القول اللفظي ؛ لئلا ينافي : { فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا }

قال أنس بن مالك في قوله : { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } أي : صمتًا{[18777]} وكذا قال ابن عباس ، والضحاك . وفي رواية عن أنس : " صومًا وصمتًا " ، وكذا قال قتادة وغيرهما .

والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام ، نص على ذلك السدي ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد .

وقال أبو إسحاق ، عن حارثة قال : كنت عند ابن مسعود ، فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر ، فقال : ما شأنك ؟ قال أصحابه : حلف ألا يكلم الناس اليوم . فقال عبد الله بن مسعود : كلِّم الناس وسلم عليهم ، فإنما تلك امرأة علمت أن أحدًا لا يصدقها أنها حملت من غير زوج . يعني بذلك مريم ، عليها السلام ؛ ليكون عذرًا لها إذا سئلت . ورواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير ، رحمهما الله .

وقال عبد الرحمن بن زيد : لما قال عيسى لمريم : { أَلا تَحْزَنِي } قالت : وكيف لا أحزن وأنت معي ؟ ! لا ذاتُ زوج ولا مملوكة ، أي شيء عذري عند الناس ؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًّا ، قال لها عيسى : أنا أكفيك الكلام : { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا } قال : هذا كله من كلام عيسى لأمه . وكذا قال وهب .


[18763]:في أ: "أي".
[18764]:في ت: "أحد".
[18765]:في ت، أ: "ولم".
[18766]:تفسير الطبري (16/52).
[18767]:في أ: "يحيى بن عبد النابلتي".
[18768]:المعجم الكبير (12/346).
[18769]:في أ: "الحلبي".
[18770]:في ت: "عن أبي الأسود".
[18771]:في ف، أ: "صوفانة".
[18772]:في ت: "التيمي".
[18773]:في ف: "وليس شيء من الشجر".
[18774]:مسند أبي يعلى (1/353) ورواه أبو نعيم ف الحلية (6/123) وابن عدي في الكامل (6/431) من طريق مسرور بن سعد التميمي به، وقد ذكر له ابن عدي ثلاث علل: 1 - تفرد به مسرور عن الأوزاعي فهو منكر.2 - أنه منقطع بين عروة بن رويم وعلي بن أبي طالب.3 - أن مسور بن سعيد غير معروف. قلت: وضعفه ابن حبان والعقيلي.
[18775]:في أ: "يساقط".
[18776]:في ت: "لأن".
[18777]:في أ: "صوتا".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيّٗا} (24)

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم {[7935]}وابن عامر وابن عباس والحسن وزيد بن حبيش ومجاهد والجحدري وجماعة «فناداها مَن تحتها » على أن «مَن » فاعل ينادي والمراد ب «مَن » عيسى ، قال أي ناداها المولود قاله مجاهد والحسن وابن جبير وأبي بن كعب ، وقال ابن عباس المراد «مَن » جبريل ولم يتكلم حتى أتت به قومها وقال علقمة والضحاك وقتادة ، ففي هذه آية لها وأمارة أن هذا من الأمور الخارقة للعادة التي لله فيها مراد عظيم لا سيما والمنادي عيسى ، فأنه يتبين به عذر مريم ولا تبقى بها استرابة ، فلذلك كان النداء أن لا يقع حزن ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم والبراء بن عازب والضحاك وعمرو بن ميمون وأهل الكوفة وأهل المدينة وابن عباس أيضاً والحسن «مِن تحتها » بكسر الميم على أنها لابتداء الغاية واختلفوا ، فقال بعضهم : المراد عيسى ، وقالت فرقة : المراد جبريل المحاور لها قبل ، قالوا : وكان في سعة من الأرض أخفض من البقعة التي كانت هي عليها وأبين وأظهر ، وعليه كان الحسن بن أبي الحسن يقسم وقرأ علقمة وزر بن حبيش «فخاطبها » من تحتها « ، وقرأ ابن عباس » فناداها ملك من تحتها{[7936]} « . وقوله { ألا تحزني } تفسير للنداء ف «أن » مفسرة بمعنى : أي ، و «السري »من الرجال : العظيم الخصال السيد ، و «السري » أيضاً الجدول من الماء ، وبحسب هذا اختلف الناس في هذه الآية فقال قتادة وابن زيد : أراد :جعل تحتك عظيماً من الرجال له شأن ، وقال الجمهور أشار لها إلى الجدول الذي كان قرب جذع نخلة ، وروي أن الحسن فسر الآية فقال أجل لقد جعله الله { سرياً } كريماً ، فقال عبيد بن عبدالرحمن الحميري يا أبا سعيد إنما يعني ب » السري «الجدول . وقال الحسن لهذه وأشباهها أحب قربك ولكن غلبنا عليك الأمراء ومن الشاهد في » السري «قول لبيد . [ الكامل ]

فتوسطا عرض السري فصدعا . . . مسجورة متجاوراً قلاّمها{[7937]}


[7935]:أي في رواية أبي بكر عنه، أما رواية حفص فبكسر الميم من [من].
[7936]:قال أبو حيان في البحر المحيط: "وينبغي أن يكون ذلك تفسيرا لا قراءة، لأنها مخالفة لسواد المصحف المجمع عليه".
[7937]:البيت من معلقة لبيد، والضمير في (فتوسطا) يعود على العير والأتان اللتين سبق الحديث عنهما، ويروى : (فرمى بها عرض السري) وعليه فالضمير يعود على ناقته، والعرض: الناحية، وروي (عرض) بفتح العين، والسري: جدول الماء، وصدعا: شققا وحطما النبت الذي على الماء، والمسجورة: المملوءة، والقلام: نبت ينبت على الأنهار وجداول الماء، وقيل: هو نوع من الحمض، وقلامها فاعل متجاوزا، ومتجاوزا نعت لمسجورة لأنه يراد بها العين المملوءة. والشاهد في قوله: (السري)، إذ أنه النهر الصغير، أو جدول الماء.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيّٗا} (24)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فناداها} جبريل، عليه السلام، {من تحتها}، يعنى من أسفل منها في الأرض، وهي فوقه على رابية، وجبريل عليه السلام، يناديها بهذا الكلام: {ألا تحزني}، ذلك حين تمنت الموت، {قد جعل ربك تحتك سريا}، يعني: الجدول الصغير من الأنهار.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلفت القرّاء في قراءة ذلك؛ فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق "فَنادَاها مِنْ تَحْتِها "بمعنى: فناداها جبرائيل من بين يديها على اختلاف منهم في تأويله؛ فمن متأوّل منهم إذا قرأه "مِنْ تحْتِها" كذلك ومن متأوّل منهم أنه عيسى، وأنه ناداها من تحتها بعد ما ولدته. وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الكوفة والبصرة: «فَنادَاها مَنْ تَحْتَها» بفتح التاءين من تحت، بمعنى: فناداها الذي تحتها، على أن الذي تحتها عيسى، وأنه الذي نادى أمه... وأولى القولين في ذلك عندنا قول من قال: الذي ناداها ابنها عيسى، وذلك أنه من كناية ذكره أقرب منه من ذكر جبرائيل، فردّه على الذي هو أقرب إليه أولى من ردّه على الذي هو أبعد منه، ألا ترى في سياق قوله "فحَمَلَتْهُ فانْتَبَذَتْ بِهِ مَكانا قَصِيّا" يعني به: فحملت عيسى فانتبذت به، ثم قيل: "فناداها" نسقا على ذلك من ذكر عيسى والخبر عنه. ولعلة أخرى، وهي قوله: "فأشارَتْ إلَيْهِ" ولم تشر إليه إن شاء الله إلا وقد علمت أنه ناطق في حاله تلك، وللذي كانت قد عرفت ووثقت به منه بمخاطبته إياها بقوله لها: "أنْ لا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا" وما أخبر الله عنه أنه قال لها أشيري للقوم إليه، ولو كان ذلك قولاً من جبرائيل لكان خليقا أن يكون في ظاهر الخبر، مبينا أن عيسى سينطق، ويحتجّ عنها للقوم، وأمر منه لها بأن تشير إليه للقوم إذا سألوها عن حالها وحاله.

فإذا كان ذلك هو الصواب من التأويل الذي بيّنا، فبين أن كلتا القراءتين، أعني مِنْ تَحْتِها بالكسر، و« مَنْ تَحْتَها» بالفتح صواب. وذلك أنه إذا قرئ بالكسر كان في قوله فَنادَاها ذكر من عيسى: وإذا قرئ "مَنْ تَحْتَها" بالفتح كان الفعل لمن وهو عيسى. فتأويل الكلام إذن: فناداها المولد من تحتها أن لا تحزني يا أمه "قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا"...

واختلف أهل التأويل في المعنيّ بالسريّ في هذا الموضع؛

فقال بعضهم: عني به: النهر الصغير... عن البراء بن عازب "قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا" قال: الجدول...

وقال آخرون: عنى به عيسى... وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قيل من قال: عنى به الجدول، وذلك أنه أعلمها ما قد أعطاها الله من الماء الذي جعله عندها، وقال لها "وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَبا جَنِيّا فَكُلِي" من هذا الرطب "وَاشْرَبِي" من هذا الماء "وَقَرّي عَيْنا" بولدك...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: ما كان حزنها لفقد الطعام والشراب حتى تسلى بالسري والرطب؟ قلت: لم تقع التسلية بهما من حيث أنهما طعام وشراب، ولكن من حيث أنهما معجزتان تريان الناس أنها من أهل العصمة والبعد من الريبة، وأن مثلها مما قرفوها به بمعزل، وأن لها أموراً إلهية خارجة عن العادات خارقة لما ألفوا واعتادوا، حتى يتبين لهم أنّ ولادها من غير فحل ليس ببدع من شأنها...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فناداها من تحتها} وهو عيسى عليه السلام {ألا تحزني}... فكأنها قالت: لم لا أحزن؟ وتوقعت ما يعلل به؟ قال: {قد جعل ربك} أي المحسن إليك {تحتك} في هذه الأرض التي لا ماء جارياً بها {سرياً} جدولاً من الماء جليلاً آية لك تطيب نفسك.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وفي حدة الألم وغمرة الهول تقع المفاجأة الكبرى: (فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا. وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا. فكلي واشربي وقري عينا، فإما ترين من البشر أحدا فقولي: إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا). يالله! طفل ولد اللحظة يناديها من تحتها. يطمئن قلبها ويصلها بربها، ويرشدها إلى طعامها وشرابها. ويدلها على حجتها وبرهانها! لا تحزني.. (قد جعل ربك تحتك سريا) فلم ينسك ولم يتركك، بل أجرى لك تحت قدميك جدولا ساريا -الأرجح أنه جرى للحظته من ينبوع أو تدفق من مسيل ماء في الجبل –...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ضمير الرفع المستتر في (ناداها) عائد إلى ما عاد عليه الضمير الغائب في {فحملته} [مريم: 22]، أي: ناداها المولود... وهذا إرهاص لعيسى وكرامة لأمّه عليهما السلام.

وقَيْدُ {من تحتها} لتحقيق ذلك، ولإفادة أنه ناداها عند وضعه قبل أن ترفعه مبادرة للتسلية والبشارة وتصويراً لتلك الحالة التي هي حالة تمام اتّصال الصبي بأمه.

و {أنَّ من قوله ألاَّ تَحْزَني} تفسيرية لفعل (ناداها).

وجملة {قَدْ جَعلَ رَبُّكِ تحتك سَرِيّاً} خبر مراد به التعليل لجملة {ألاَّ تحزني}، أي أن حالتك حالة جديرة بالمسرة دون الحزن لما فيها من الكرامة الإلهية.

السرّي: الجدول من الماء كالساقية، كثير الماء الجاري.

وهبَها الله طعاماً طيّباً وشراباً طيّباً كرامة لها يشهدها كل من يراها، وكان معها خطيبها يوسف النجار، ومن عسى أن يشهدها فيكون شاهداً بعصمتها وبراءتها مما يظن بها. فأما الماء فلأنه لم يكن الشأن أن تأوي إلى مجرى ماء لتضع عنده. وأما الرُطب فقيل كان الوقت شتاء، ولم يكن إبان رطب وكان جذع النخلة جذع نخلة ميتة فسقوط الرطب منها خارق للعادة. وإنما أعطيت رُطباً دون التمر لأنّ الرطب أشهى للنفس إذ هو كالفاكهة وأما التمر فغذاء.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وخلاصة الأمر، إنّكِ لا تحتاجين إلى الدفاع عن نفسك، فإِنّ الذي وهبك هذا الوليد قد تعهد بمهمّة الدفاع عنك أيضاً، وعلى هذا فليهدأ روعك من كل الجهات، ولا تدعي للهم طريقاً إلى نفسك. إِن هذه الحوادث المتلاحقة التي سطعت كالشرر المضيء الوهاج في الظلام الدامس، قد أضاءت كل أرجاء قلبها، وألقت عليها الهدوء والاطمئنان...