يخبر تعالى عن الإنسان أنه يتعجب ويستبعد إعادته بعد موته ، كما قال تعالى : { وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ الرعد : 5 ] ، وقال : { أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [ يس : 77 - 79 ] ، وقال هاهنا : { وَيَقُولُ الإنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا } يستدل ، تعالى ، بالبداءة على الإعادة ، يعني أنه ، تعالى [ قد ]{[19012]} خلق الإنسان ولم يك شيئًا ، أفلا يعيده وقد صار شيئًا ، كما قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] ، وفي الصحيح : " يقول الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني ، وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني ، أما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ من آخره ، وأما أذاه إياي فقوله : إن لي ولدًا ، وأنا الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد{[19013]} ولم يكن له{[19014]} كفوًا أحد " {[19015]} .
{ أولا يذكر الإنسان } عطف على { يقول } ، وتوسيط همزة الإنكار بينه وبين العاطف مع أن الأصل أن يتقدمهما للدلالة على أن المنكر بالذات هو المعطوف وأن المعطوف عليه إنما نشأ منه فإنه لو تذكر وتأمل : { أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا } بل كان عدما صرفا ، لم يقل ذلك فإن أعجب من جمع المواد بعد التفريق وإيجاد مثل ما كان فيها من الأعراض . وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وقالون عن يعقوب " يذكر " من الذكر الذي يراد به التفكر ، وقرئ " يتذكر " على الأصل .
جملة { أو لا يذكر الإنسان } معطوفة على جملة { يقول الإنسان } ، أي يقول ذلك ومن النكير عليه أنّه لا يتذكّر أنا خلقناه من قبل وجوده .
والاستفهام إنكار وتعجيب من ذهول الإنسان المنكر البعث عن خلقه الأول .
وقرأ الجمهور { أو لا يذْكُر } بسكون الذال وضمّ الكاف من الذُكر بضم الذال . وقرأه أبو جعفر بفتح الذال وتشديد الكاف على أن أصله يتَذكر فقلبت التاء الثانية ذالاً لقرب مخرجيهما .
والشيء : هو الموجود ، أي إنا خلقناه ولم يك موجوداً .
و ( قَبْلُ ) من الأسماء الملازمة للإضافة . ولما حذف المضاف إليه واعتبر مضافاً إليه مجملاً ولم يراع له لفظ مخصوص تقدّم ذكره بنيت ( قبلُ ) على الضمّ ، كقوله تعالى : { لله الأمر من قبل ومن بعد } [ الروم : 40 ] .
والتقدير : إنا خلقناه من قبل كلّ حالة هو عليها ، والتقدير في آية سورة الروم : لله الأمر من قبلِ كل حَدث ومِن بعده .
والمعنى : الإنكار على الكافرين أن يقولوا ذلك ولا يتذكروا حال النشأة الأولى فإنها أعجب عند الذين يَجرون في مداركهم على أحكام العادة ، فإن الإيجاد عن عدم من غير سبق مثال أعجبُ وأدعى إلى الاستبعاد من إعادة موجودات كانت لها أمثلة . ولكنها فسدت هياكلها وتغيرت تراكيبها . وهذا قياس على الشاهد وإن كان القادر سواءً عليه الأمران .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.