السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَوَلَا يَذۡكُرُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ يَكُ شَيۡـٔٗا} (67)

ثم إنّ الله تعالى أقام الدليل على صحة البعث بقوله : { أولا يذكر الإنسان } أي : المجترئ بهذا الإنكار على ربه { أنّا خلقناه من قبل } أي : من قبل جدله { ولم يك شيئاً } أصلاً وأنا بمقتضى ذلك قادرون على إعادته فلا ينكر ذلك قال بعض العلماء لو اجتمع كل الخلائق على إيراد حجة في البعث على هذا الاختصار ما قدروا عليه إذ لا شك أن الإعادة ثانياً أهون من الإيجاد أوّلاً . ونظيره قوله تعالى : { قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرّة } [ يس ، 79 ] وقوله تعالى : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } [ الروم ، 27 ] وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بسكون الذال وضم الكاف مخففة والباقون بفتح الذال مشدّدة وكذا الكاف .

فإن قيل : كيف أمر الله الإنسان بالتذكر مع أنّ التذكر هو العلم بما علمه من قبل ثم تخللهما سهو ؟ أجيب : بأنّ المراد أولاً يتفكر فيعلم خصوصاً إذا قرئ أولا يذكر مشدّداً ، أمّا إذا قرئ مخففاً فالمراد أولاً يعلم ذلك من حال نفسه لأنّ كل أحد يعلم أنه لم يكن حياً في الدنيا ثم صار حياً .