مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَوَلَا يَذۡكُرُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ يَكُ شَيۡـٔٗا} (67)

ثم إن الله تعالى أقام الدلالة على صحة البعث بقوله : { أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا } والقراء كلهم على { يذكر } بالتشديد إلا نافعا وابن عامر وعاصما قد خففوا ، أي أو لا يتذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل وإذا قرئ أو لا يذكر فهو أقرب إلى المراد إذ الغرض التفكر والنظر في أنه إذا خلق من قبل لا من شيء فجائز أن يعاد ثانيا . قال بعض العلماء : لو اجتمع كل الخلائق على إيراد حجة في البعث على هذا الاختصار لما قدروا عليها إذ لا شك أن الإعادة ثانيا أهون من الإيجاد أولا ، ونظيره قوله : { قل يحييها الذي أنشأها أول مرة } وقوله : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن المعدوم ليس بشيء وهو ضعيف لأن الإنسان عبارة عن مجموع جواهر متألفة قامت بها أعراض وهذا المجموع ما كان شيئا ، ولكن لم قلت إن كل واحد من تلك الأجزاء ما كان شيئا قبل كونه موجودا ؟ فإن قيل : كيف أمر تعالى الإنسان بالذكر مع أن الذكر هو العلم بما قد علمه من قبل ثم تخللهما سهو ؟ قلنا : المراد أو لا يتفكر فيعلم خصوصا إذا قرئ أو لا يذكر الإنسان بالتشديد أما إذا قرئ أو لا يذكر بالتخفيف فالمراد أو لا يعلم ذلك من حال نفسه لأن كل أحد يعلم أنه لم يكن حيا في الدنيا ثم صار حيا ، ثم إنه سبحانه لما قرر المطلوب بالدليل أردفه بالتهديد من وجوه .