البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَوَلَا يَذۡكُرُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ يَكُ شَيۡـٔٗا} (67)

وقرأ أبو بحرية والحسن وشيبة وابن أبي ليلى وابن مناذر وأبو حاتم ومن السبعة عاصم وابن عامر ونافع { أو لا يذكر } خفيفاً مضارع ذكر .

وقرأ باقي السبعة بفتح الذال والكاف وتشديدهما أصله يتذكر أدغم التاء في الذال .

وقرأ أُبَيّ يتذكر على الأصل .

قال الزمخشري : الواو عاطفة لا يذكر على يقول ، ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف انتهى .

وهذا رجوع منه إلى مذهب الجماعة من أن حرف العطف إذا تقدمته الهمزة فإنما عطف ما بعدها على ما قبلها ، وقدمت الهمزة لأن لها صدر الكلام ، وكان مذهبه أن يقدر بين الهمزة والحرف ما يصلح أن يعطف عليه ما بعد الواو فيقر الهمزة على حالها ، وليست مقدمة من تأخير وقد رددنا عليه هذه المقالة .

{ أنّا خلقناه من قبل } أي أنشأناه واخترعناه من العدم الصرف إلى الوجود ، فكيف ينكر النشأة الثانية وهذه الحجة في غاية الاختصار والإلزام للخصم ، ويسمى هذا النوع الاحتجاج النظري وبعضهم يسميه المذهب الكلامي ، وقد تكرر هذا الاحتجاج في القرآن : { ولم يك شيئاً } إشارة إلى العدم الصرف وانتفاء الشيئية عنه يدل على أن المعدوم لا يسمى شيئاً .

وقال أبو علي الفارسي : { ولم يك شيئاً } موجود أو هي نزعة اعتزالية والمحذوف المضاف إليه { قبل } في التقدير قدره بعضهم { من قبل } بعثه ، وقدره الزمخشري { من قبل } الحالة التي هو فيها وهي حالة بقائه انتهى .