الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَوَلَا يَذۡكُرُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ يَكُ شَيۡـٔٗا} (67)

الواو عطفت { أَوَلاَ يَذْكُرُ } على { يَقُولُ } ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف ، يعني : أيقول ذاك ولا يتذكر حال النشأة الأولى حتى لا ينكر الأخرى فإن تلك أعجب وأغرب وأدلّ على قدرة الخالق ؟ ؟ حيث أخرج الجواهر والأعراض من العدم إلى الوجود ، ثم أوقع التأليف مشحوناً بضروب الحكم التي تحار الفطن فيها ، من غير حذو على مثال واقتداء بمؤلف . ولكن اختراعاً وإبداعاً من عند قادر جلت قدرته ودقت حكمته . وأما الثانية فقد تقدمت نظيرتها وعادت لها كالمثال المحتذى عليه ، وليس فيها إلا تأليف الأجزاء الموجودة الباقية وتركيبها ، ورّدها إلى ما كانت عليه مجموعة بعد التفكيك والتفريق . وقوله تعالى : { وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } دليل على هذا المعنى ، وكذلك قوله تعالى : { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] على أن رب العزّة سواء عليه النشأتان ، لا يتفاوت في قدرته الصعب والسهل ، ولا يحتاج إلى احتذاء على مثال ؛ ولا استعانة بحكيم ، ولا نظر في مقياس ، ولكن يواجه جاحد البعث بذلك دفعاً في بحر معاندته ، وكشفاً عن صفحة جهله . القراء كلهم على { لا يذكر } بالتشديد إلا نافعاً وابن عامر وعاصماً رضي الله عنهم ، فقد خففوا . وفي حرف أبيّ «يتذكر » { مِن قَبْلُ } من قبل الحالة التي هو فيها وهي حالة بقائه .