المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتۡنَاۚ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَتَوَفَّنَا مُسۡلِمِينَ} (126)

126- وما تُنكر منا وتُعَاقِبنا عليه إلا أن صدقنا موسى ، وأذعنا لآيات ربنا الواضحة الدالة على الحق لما جاءتنا . ثم توجهوا إلى الله ضارعين إليه قائلين : يا ربنا أفض علينا صبراً عظيماً نقوى معه على احتمال الشدائد ، وتوفنا على الإسلام غير مفتونين من وعيد فرعون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتۡنَاۚ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَتَوَفَّنَا مُسۡلِمِينَ} (126)

103

والذي يدرك طبيعة المعركة بينه وبين الطاغوت . . وأنها معركة العقيدة في الصميم . . لا يداهن ولا يناور . . ولا يرجو الصفح والعفو من عدو لن يقبل منه إلا ترك العقيدة ، لأنه إنما يحاربه ويطارده على العقيدة :

( وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ) . .

والذي يعرف أين يتجه في المعركة ، وإلى من يتجه ؛ لا يطلب من خصمه السلامة والعافية ، إنما يطلب من ربه الصبر على الفتنة والوفاة على الإسلام :

( ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين ) . .

ويقف الطغيان عاجزاً أمام الإيمان ، وأمام الوعي ، وأمام الاطمئنان . . يقف الطغيان عاجزاً أمام القلوب التي خيل إليه أنه يملك الولاية عليها كما يملك الولاية على الرقاب ! ويملك التصرف فيها كما يملك التصرف في الأجسام . فإذا هي مستعصية عليه ، لأنها من أمر الله ، لا يملك أمرها إلا الله . . وماذا يملك الطغيان إذارغبت القلوب في جوار الله ؟ وماذا يملك الجبروت إذا اعتصمت القلوب بالله ؟ وماذا يملك السلطان إذا رغبت القلوب عما يملك السلطان !

إنه موقف من المواقف الحاسمة في تاريخ البشرية . هذا الذي كان بين فرعون وملئه ، والمؤمنين من السحرة . . السابقين . .

إنه موقف حاسم في تاريخ البشرية . بانتصار العقيدة على الحياة . وانتصار العزيمة على الألم . وانتصار " الإنسان " على " الشيطان " !

إنه موقف حاسم في تاريخ البشرية . بإعلان ميلاد الحرية الحقيقية . فما الحرية إلا الاستعلاء بالعقيدة على جبروت المتجبرين وطغيان الطغاة . والاستهانة بالقوة المادية التي تملك أن تتسلط على الأجسام والرقاب وتعجز عن استذلال القلوب والأرواح . ومتى عجزت القوة المادية عن استذلال القلوب فقد ولدت الحرية الحقيقية في هذه القلوب .

إنه موقف حاسم في تاريخ البشرية بإعلان إفلاس المادية ! فهذه القلة التي كانت منذ لحظة تسأل فرعون الأجر على الفوز ، وتمنى بالقرب من السلطان . . هي ذاتها التي تستعلي على فرعون ؛ وتستهين بالتهديد والوعيد ، وتُقبل صابرة محتسبة على التنكيل والتصليب . وما تغير في حياتها شيء ، ولا تغير من حولها شيء - في عالم المادة - إنما وقعت اللمسة الخفية التي تسلك الكوكب المفرد في الدورة الكبرى . وتجمع الذرة التائهة إلى المحور الثابت ، وتصل الفرد الفاني بقوة الأزل والأبد . . وقعت اللمسة التي تحوّل الإبرة ، فيلتقط القلب إيقاعات القدرة ، ويتسمع الضمير أصداء الهداية ، وتتلقى البصيرة إشراقات النور . . وقعت اللمسة التي لا تنتظر أي تغيير في الواقع المادي ؛ ولكنها هي تغير الواقع المادي ؛ وترفع " الإنسان " في عالم الواقع إلى الآفاق التي لم يكن يطمح إليها الخيال !

ويذهب التهديد . . ويتلاشى الوعيد . . ويمضي الإيمان في طريقه . لا يتلفت ، ولا يتردد ، ولا يحيد ! ويسدل السياق القرآني الستار على المشهد عند هذا الحد ولا يزيد . . إن روعة الموقف تبلغ ذروتها ؛ وتنتهي إلى غايتها . وعندئذ يتلاقى الجمال الفني في العرض ؛ مع الهدف النفسي للقصة ، على طريقة القرآن في مخاطبة الوجدان الإيماني بلغة الجمال الفني ، في تناسق لا يبلغه إلا القرآن .

/خ126

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتۡنَاۚ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَتَوَفَّنَا مُسۡلِمِينَ} (126)

وقول السحرة : { إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ } أي : قد تحققنا أنا إليه راجعون ، وعذابه أشد من عذابك ، ونكاله{[12019]} ما تدعونا إليه ، وما أكرهتنا عليه من السحر ، أعظم{[12020]} من نكالك ، فلنصبرن اليوم على عذابك لنخلص من عذاب الله ، لما قالوا : { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } أي : عمنا بالصبر على دينك ، والثبات عليه ، { وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } أي : متابعين لنبيك موسى ، عليه السلام . وقالوا لفرعون : { فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا } [ طه : 72 - 75 ] فكانوا في أول النهار سحرة ، فصاروا في آخره{[12019]} شهداء بررة .

قال ابن عباس ، وعُبَيد بن عُمَيْر ، وقتادة ، وابن جُرَيْج : كانوا في أول النهار سحرة ، وفي آخره شهداء .


[12019]:في أ: "ونكاله على ".
[12020]:في د: "أشد".

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتۡنَاۚ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَتَوَفَّنَا مُسۡلِمِينَ} (126)

وقوله : وَما تَنْقِمُ مِنّا إلاّ أنْ آمَنّا بآياتِ رَبّنا يقول : ما تنكر منا يا فرعون وما تجد علينا ، إلا من أجل أن آمنا : أي صدّقنا بآيات ربنا ، يقول : بحجج ربنا وأعلامه وأدلته التي لا يقدر على مثلها أنت ، ولا أحد سوى الله ، الذي له ملك السموات والأرض . ثم فزعوا إلى الله ، بمسئلته الصبر على عذاب فرعون ، وقبض أرواحهم على الإسلام ، فقالوا : رَبّنا أفْرغْ عَلَيْنا صَبْرا يعنون بقولهم : أفرغ : أنزل علينا حبسا يحبسنا عن الكفر بك عند تعذيب فرعون إيانا . وَتَوَفّنا مُسْلِمِينَ يقول : واقبضنا إليك على الإسلام ، دين خليلك إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، لا على الشرك بك .

فحدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط عن السديّ : لأُقَطّعَنّ أيْدِيَكُمْ وأرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ فقتلهم وصَلَبهم ، كما قال عبد الله بن عباس حين قالوا : رَبّنا أفْرغْ عَلَيْنا صَبْرا وَتَوَفّنا مُسْلِمِينَ قال : كانوا في أوّل النهار سحرة ، وفي آخر النهار شهداء .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن عبيد بن عمير ، قال : كانت السحرة أوّل النهار سحرة ، وآخر النهار شهداء .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وأُلْقِيَ السّحَرَةُ ساجِدِينَ قال : ذكر لنا أنهم كانوا في أوّل النهار سحرة ، وآخره شهداء .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : رَبّنا أفْرِغْ عَلَيْنا صَبْرا وَتَوَفّنا مُسْلِمِينَ قال : كانوا أوّل النهار سحرة ، وآخره شهداء .