المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ عَلِمۡتُم مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كُنَّا سَٰرِقِينَ} (73)

73- قال إخوة يوسف : إن اتهامكم إيّانا بالسرقة لعجيب ، ونؤكد بالقسم أن فيما ظهر لكم من أخلاقنا وتمسكنا بديننا في مرتي مجيئنا ما يؤكد علمكم أننا لم نأت بغية الإفساد في بلادكم ، وما كان من أخلاقنا أن نكون من السارقين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ عَلِمۡتُم مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كُنَّا سَٰرِقِينَ} (73)

54

ولكن القوم مستيقنون من براءتهم ، فهم لم يسرقوا ، وما جاءوا ليسرقوا وليجترحوا هذا الفساد الذي يخلخل الثقة والعلاقات في المجتمعات ، فهم يقسمون واثقين :

( قالوا : تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض ) . .

فقدو علمتم من حالنا ومظهرنا ونسبنا أننا لا نجترح هذا . .

( وما كنا سارقين ) . أصلا فما يقع منا مثل هذا الفعل الشنيع .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ عَلِمۡتُم مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كُنَّا سَٰرِقِينَ} (73)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَمَا كُنّا سَارِقِينَ } .

يقول تعالى ذكره : قال إخوة يوسف : تاللّهِ يعني : والله . وهذه التاء في «تالله » إنما هي واو قلبت تاء كما فعل ذلك في التورية وهي من ورّيت ، والتراث وهي من ورثت ، والتخمة وهي من الوخامة قُلبت الواو في ذلك كله تاء . والواو في هذه الحروف كلها من الأسماء ، وليست كذلك في «تالله » ، لأنها إنما هي واو القسم ، وإنما جعلت تاء لكثرة ما جرى على ألسن العرب في الأيمان في قولهم «والله » ، فخصت في هذه الكلمة بأن قلبت تاء . ومن قال ذلك في اسم الله ، فقال : «تالله » لم يقل تالرحمن وتالرحيم ، ولا مع شيء من أسماء الله ، ولا مع شيء مما يقسم به ، ولا يقال ذلك إلاّ في «تالله » وحده .

وقوله : لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ يقول : لقد علمتم ما جئنا لنعصَى الله في أرضكم ، كذلك كان يقول جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، في قوله : قالُوا تاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ يقول : ما جئنا لنعصَى في الأرض .

فإن قال قائل : وكان عِلْمُ من قيل له لقد عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ بأنهم لم يجيئوا لذلك حتى استجاز قائلو ذلك أن يقولوه ؟ قيل : استجازا أن يقولوا ذلك لأنهم فيما ذكر ردّوا البضاعة التي وجدوها في رحالهم ، فقالوا : لو كنا سرّاقا لم نردّ عليكم البضاعة التي وجدوها في رحالهم ، فقالوا : لو كنا سرّاقا لم نردّ عليكم البضاعة التي وجدناها في رحالنا . وقيل : إنهم كانوا قد عرفوا في طريقهم ومسيرهم أنهم لا يظلمون أحدا ولا يتناولون ما ليس لهم ، فقالوا ذلك حين قيل لهم : إنّكُمْ لَسارِقُونَ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ عَلِمۡتُم مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كُنَّا سَٰرِقِينَ} (73)

وقوله : { قالوا : تالله } الآية ، روي : أن إخوة يوسف كانوا ردوا البضاعة الموجودة في الرحال وتحرجوا من أخذ الطعام بلا ثمن فلذلك قالوا : { لقد علمتم } أي لقد علمتم منا التحري ؛ وروي أنهم كانوا قد اشتهروا في مصر بصلاح وتعفف ، وكانوا يجعلون الأكمة{[6754]} في أفواه إبلهم لئلا تنال زرع الناس ، فلذلك قالوا : لقد علمتم ما جئنا لفساد وما نحن أهل سرقة .

والتاء في { تالله } بدل من واو - كما أبدلت في تراث وفي التورية وفي التخمة{[6755]} - ولا تدخل التاء في القسم إلا في المكتوبة من بين أسماء الله تعالى ، لا في غير ذلك - لا تقول : تالرحمن ولا تالرحيم -{[6756]} .


[6754]:الأكمة: جمع كمام، وهو الغطاء الذي يجعل على العناقيد والكبائس إلى حين صرامها. (اللسان ـ كمم).
[6755]:هذا قول أكثر النحويين، وخالف السهلي في ذلك فزعم أنها أصل وليست بدلا من واو، وقال أبو حيان: "وهو الصحيح".
[6756]:قال أبو حيان في "البحر": "حكي عن العرب دخولها على "الرب" و "الرحمن" و "حياتك"، قالوا: "ترب الكعبة- وتالرحمن- وتحياتك". وابن عطية يطلق في أحيان كثيرة لفظ "المكتوبة" على اسم الجلالة "الله".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ عَلِمۡتُم مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كُنَّا سَٰرِقِينَ} (73)

والتاء في { تاللَّه } حرف قَسم على المختار ، ويختص بالدخول على اسم الله تعالى وعلى لفظ رَب ، ويختص أيضاً بالمُقسم عليه العجيب . وسيجيء عند قوله تعالى : { وتالله لأكيدن أصنامكم } في [ سورة الأنبياء : 57 ] .

وقولهم : { لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين } . أكدوا ذلك بالقسم لأنهم كانوا وَفدوا على مصر مرة سابقة واتهموا بالجوسسة فتبينت براءتهم بما صدقوا يوسف عليه السلام فيما وصفوه من حال أبيهم وأخيهم . فالمراد ب { الأرض } المعهودة ، وهي مصر .

وأما براءتهم من السرقة فبما أخبروا به عند قدومهم من وجدان بضاعتهم في رحالهم ، ولعلّها وقعت في رحالهم غلطاً .

على أنهم نفوا عن أنفسهم الاتّصاف بالسرقة بأبلغ مما نفوا به الإفساد عنهم ، وذلك بنفي الكون سارقين دون أن يقولوا : وما جئنا لنسرق ، لأن السرقة وصف يُتعيّر به ، وأما الإفساد الذي نفوه ، أي التجسس فهو مما يقصده العدوّ على عَدوّه فلا يكون عاراً ، ولكنه اعتداء في نظر العدوّ .