المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

10- إنما المؤمنون بالله ورسوله إخوة جمع الإيمان بين قلوبهم ، فأصلحوا بين أخويكم رعاية لأخُوّة الإيمان ، واجعلوا لأنفسكم وقاية من عذاب الله بامتثال أمره واجتناب نهيه راجين أن يرحمكم الله بتقواكم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

ويعقب على هذه الدعوة وهذا الحكم باستجاشة قلوب الذين آمنوا واستحياء الرابطة الوثيقة بينهم ، والتي جمعتهم بعد تفرق ، وألفت بينهم بعد خصام ؛ وتذكيرهم بتقوى الله ، والتلويح لهم برحمته التي تنال بتقواه :

( إنما المؤمنون إخوة ، فأصلحوا بين أخويكم ، واتقوا الله لعلكم ترحمون ) . .

ومما يترتب على هذه الأخوة أن يكون الحب والسلام والتعاون والوحدة هي الأصل في الجماعة المسلمة ، وأن يكون الخلاف أو القتال هو الاستثناء الذي يجب أن يرد إلى الأصل فور وقوعه ؛ وأن يستباح في سبيل تقريره قتال المؤمنين الآخرين للبغاة من إخوانهم ليردوهم إلى الصف ، وليزيلوا هذا الخروج على الأصل والقاعدة . وهو إجراء صارم وحازم كذلك .

ومن مقتضيات هذه القاعدة كذلك ألا يجهز على جريح في معارك التحكيم هذه ، وألا يقتل أسير ، وألا يتعقب مدبر ترك المعركة ، وألقى السلاح ، ولا تؤخذ أموال البغاة غنيمة . لأن الغرض من قتالهم ليس هو القضاء عليهم ، وإنما هو ردهم إلى الصف ، وضمهم إلى لواء الأخوة الإسلامية .

والأصل في نظام الأمة المسلمة أن يكون للمسلمين في أنحاء الأرض إمامة واحدة ، وأنه إذا بويع لإمام ، وجب قتل الثاني ، واعتباره ومن معه فئة باغية يقاتلها المؤمنون مع الإمام . وعلى هذا الأصل قام الإمام علي - رضي الله عنه - بقتال البغاة في وقعة الجمل وفي وقعة صفين ؛ وقام معه بقتالهم أجلاء الصحابة رضوان الله عليهم . وقد تخلف بعضهم عن المعركة منهم سعد ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وابن عمر - رضي الله عنهم - إما لأنهم لم يتبينوا وجه الحق في الموقف في حينه فاعتبروها فتنة . وإما لأنهم كما يقول الإمام الجصاص : " ربما رأوا الإمام مكتفيا بمن معه مستغنيا عنهم بأصحابه فاستجازوا القعود عنه لذلك " . . والاحتمال الأول أرجح ، تدل عليه بعض أقوالهم المروية . كما يدل عليه ما روي عن ابن عمر - رضي الله عنه - في ندمه فيما بعد على أنه لم يقاتل مع الإمام .

ومع قيام هذا الأصل فإن النص القرآني يمكن إعماله في جميع الحالات - بما في ذلك الحالات الاستثنائية التي يقوم فيها إمامان أو أكثر في أقطار متفرقة متباعدة من بلاد المسلمين ، وهي حالة ضرورة واستثناء من القاعدة - فواجب المسلمين أن يحاربوا البغاة مع الإمام الواحد ، إذا خرج هؤلاء البغاة عليه . أو إذا بغت طائفة على طائفة في إمامته دون خروج عليه . وواجب المسلمين كذلك أن يقاتلوا البغاة إذا تمثلوا في إحدى الإمامات المتعددة في حالات التعدد الاستثنائية ، بتجمعهم ضد الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله . وهكذا يعمل النص القرآني في جميع الظروف والأحوال .

وواضح أن هذا النظام ، نظام التحكيم وقتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله ، نظام له السبق من حيث الزمن على كل محاولات البشرية في هذا الطريق . وله الكمال والبراءة من العيب والنقص الواضحين في كل محاولات البشرية البائسة القاصرة التي حاولتها في كل تجاربها الكسيحة ! وله بعد هذا وذاك صفة النظافة والأمانة والعدل المطلق ، لأن الاحتكام فيه إلى أمر الله الذي لا يشوبه غرض ولا هوى ، ولا يتعلق به نقص أو قصور . . ولكن البشرية البائسة تطلع وتعرج ، وتكبو وتتعثر . وأمامها الطريق الواضح الممهد المستقيم !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتّقُواْ اللّهَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به إنّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ في الدين فأَصْلِحُوا بَينَ أخَوَيْكُمْ إذا اقتتلا بأن تحملوهما على حكم الله وحكم رسوله . ومعنى الأخوين في هذا الموضع : كل مقتتلين من أهل الإيمان ، وبالتثنية قرأ ذلك قرّاء الأمصار . وذُكر عن ابن سيرين أنه قرأ «بين إخوانكم » بالنون على مذهب الجمع ، وذلك من جهة العربية صحيح ، غير أنه خلاف لما عليه قرّاء الأمصار ، فلا أحبّ القراءة بها وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ يقول تعالى ذكره : وخافوا الله أيها الناس بأداء فرائضه عليكم في الإصلاح بين المقتتلين من أهل الإيمان بالعدل ، وفي غير ذلك من فرائضه ، واجتناب معاصيه ، ليرحمكم ربكم ، فيصفح لكم عن سالف إجرامكم إذا أنتم أطعتموه ، واتبعتم أمره ونهيه ، واتقيتموه بطاعته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (10)

وقوله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة } يريد إخوة الدين . وقرأ الجمهور من القراء : «بين أخويكم » وذلك رعاية لحال أقل عدد يقع فيه القتال والتشاجر والجماعة متى فصل الإصلاح فإنما هو بين رجلين رجلين . وقرأ ابن عامر والحسن بخلاف عنه : «بين إخوتكم » .

وقرأ ابن سيرين وزيد بن ثابت وابن مسعود والحسن وعاصم الجحدري وحماد بن سلمة : «بين إخوانكم » . وهي حسنة . لأن الأكثر من جمع الأخ في الدين ونحوه من النسب إخوان . والأكثر في جمعه من النسب إخوة وإخاء . قال الشاعر : [ الطويل ]

وجدتم أخاكم دوننا إذ نسيتم . . . وأي بني الإخاء تنبو مناسبه ؟{[10462]}

وقد تتداخل هذه الجموع في كتاب الله . فمنه : { إنما المؤمنون إخوة }ومنه { أو بيوت إخوانكم }{[10463]} فهذا جاء على الأقل من الاستعمال .


[10462]:البيت في اللسان والتاج غير منسوب، وغنما قالا:"وانشد أبو علي"، قال صاحب اللسان:"ويدل على أن أخا فعلٌ مفتوحة العين جمعهم إياها على أفعال نحو آخاء، حكاه سيبويه عن يونس، وأنشد أبو علي: وجدتم بينكم دوننا...البيت"، ففي روايته:"بينكم دوننا" بدلا من "أخاكم بيننا"، وفي الصحاح أن الأخ أصله أخو بالتحريك، قال: "لأنه جمع على آخاء مثل آباء، والذاهب منه واو لأتنك تقول: أخوان".
[10463]:من الآية (61) من سورة (النور).