المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِٱللَّغۡوِ مَرُّواْ كِرَامٗا} (72)

72- ومن أخلاق عباد الرحمن : أنهم يتنزَّهون عن شهادة الزور ، وأنهم إذا صادفوا من إنسان ما لا يُحمد من قول أو فعل لم يشتركوا فيه ، ورفعوا أنفسهم عن مقارنته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِٱللَّغۡوِ مَرُّواْ كِرَامٗا} (72)

63

وبعد هذا البيان المعترض يعود إلى سمات ( عباد الرحمن ) :

( والذين لا يشهدون الزور ، وإذا مروا باللغو مروا كراما ) . .

وعدم شهادة الزور قد تكون على ظاهر اللفظ ومعناه القريب ، أنهم لا يؤدون شهادة زور ، لما في ذلك من تضييع الحقوق ، والإعانة على الظلم . وقد يكون معناها الفرار من مجرد الوجود في مجلس أو مجال يقع فيه الزور بكل صنوفه وألوانه ، ترفعا منهم عن شهود مثل هذه المجالس والمجالات . وهو أبلغ وأوقع . وهم كذلك يصونون أنفسهم واهتماماتهم عن اللغو والهذر : ( وإذا مروا باللغو مروا كراما )لا يشغلون أنفسهم به ، ولا يلوثونها بسماعه ؛ إنما يكرمونها عن ملابسته ورؤيته بله المشاركة فيه ! فللمؤمن ما يشغله عن اللغو والهذر ، وليس لديه من الفراغ والبطالة ما يدفعه إلى الشغل باللغو الفارغ ، وهو من عقيدته ومن دعوته ومن تكاليفها في نفسه وفي الحياة كلها في شغل شاغل .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِٱللَّغۡوِ مَرُّواْ كِرَامٗا} (72)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزّورَ وَإِذَا مَرّواْ بِاللّغْوِ مَرّوا كِراماً } .

اختلف أهل التأويل في معنى الزور الذي وصف الله هؤلاء القوم بأنهم لا يشهدونه ، فقال بعضهم : معناه الشرك بالله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : لا يَشْهَدُونَ الزّورَ قال : الشرك .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَالّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزّورَ قال : هؤلاء المهاجرون ، قال : والزّور قولهم لاَلهتهم ، وتعظيمهم إياها .

وقال آخرون : بل عُنِي به الغناء . ذكر من قال ذلك :

حدثني علي بن عبد الأعلى المحاربيّ قال : حدثنا محمد بن مروان ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : وَالّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزّورَ قال : لا يسمعون الغِناء .

وقال آخرون : هو قول الكذب . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله : وَالّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزّورَ قال : الكذب .

قال أبو جعفر : وأصل الزّور تحسين الشيء ، ووصفه بخلاف صفته ، حتى يخيّل إلى من يسمعه أو يراه ، أنه خلاف ما هو به ، والشرك قد يدخل في ذلك ، لأنه محسّن لأهله ، حتى قد ظنوا أنه حقّ ، وهو باطل ، ويدخل فيه الغناء ، لأنه أيضا مما يحسنه ترجيع الصوت ، حتى يستحلي سامعُه سماعَه ، والكذب أيضا قد يدخل فيه ، لتحسين صاحبه إياه ، حتى يظنّ صاحبه أنه حقّ ، فكل ذلك مما يدخل في معنى الزّور .

فإذا كان ذلك كذلك ، فأولى الأقوال بالصواب في تأويله أن يقال : والذين لا يشهدون شيئا من الباطل ، لا شركا ، ولا غناء ، ولا كذبا ولا غيره ، وكلّ ما لزمه اسم الزور ، لأن الله عمّ في وصفه إياهم ، أنهم لا يشهدون الزور ، فلا ينبغي أن يُخَصّ من ذلك شيء إلا بحجة يجب التسليم لها ، من خبر أو عقل .

وقوله : وَإذَا مَرّوا باللّغْوِ مَرّوا كِرَاما اختلف أهل التأويل في معنى اللغو الذي ذُكر في هذا الموضع ، فقال بعضهم : معناه : ما كان المشركون يقولونه للمؤمنين ، ويكلمونهم به من الأذى . ومرورهم به كراما : إعراضهم عنهم وصفحهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَإذَا مَرّوا باللّغْوِ مَرّوا كِرَاما قال : صفحوا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله وَإذَا مَرّوا باللّغْوِ مَرّوا كِرَاما قال : إذا أوذوا مرّوا كراما ، قال : صفحوا .

وقال آخرون : بل معناه : مرّوا بذكر النكاح ، كفوا عنه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن مجاهد وَإذَا مَرّوا باللّغْوِ مَرّوا كِرَاما قال : إذا ذكروا النكاح كَفّوا عنه .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الأشيب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن مجاهد ، وَإذَا مَرّوا كِرَاما قال : كانوا إذا أتوا على ذكر النكاح كفوا عنه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبي مخزوم ، عن سيار وَإذَا مَرّوا باللّغْوِ مَرّوا كِرَاما إذا مرّوا بالرفَث كفّوا .

وقال آخرون : إذا مرّوا بما كان المشركون فيه من الباطل مرّوا منكرين له . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإذَا مَرّوا باللّغْوِ مَرّوا كِرَاما قال : هؤلاء المهاجرون ، واللغو ما كانوا فيه من الباطل ، يعني المشركين وقرأ : فَاجْتَنِبُوا الرّجْسَ مِنَ الأَوْثانِ .

وقال آخرون : عُنى باللغو ها هنا : المعاصي كلها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله : وَإذَا مَرّوا باللّغْوِ مَرّوا كِرَاما قال : اللغو كله : المعاصي .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي ، أن يقال : إن الله أخبر عن هؤلاء المؤمنين الذين مدحهم بأنهم إذا مرّوا باللغو مرّوا كراما ، واللغو في كلام العرب هو كل كلام أو فعل باطل لا حقيقة له ولا أصل ، أو ما يستقبح فسبّ الإنسان الإنسان بالباطل الذي لا حقيقة له من اللّغو . وذكر النكاح بصريح اسمه مما يُستقبح في بعض الأماكن ، فهو من اللغو ، وكذلك تعظيم المشركين آلهتهم من الباطل الذي لا حقيقة لما عظموه على نحو ما عظموه ، وسماع الغناء مما هو مستقبح في أهل الدين ، فكل ذلك يدخل في معنى اللغو ، فلا وجه إذ كان كل ذلك يلزمه اسم اللغو ، أن يقال : عُني به بعض ذلك دون بعض ، إذ لم يكن لخصوص ذلك دلالة من خبر أو عقل . فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : وإذا مرّوا بالباطل فسمعوه أو رأوه ، مرّوا كراما مرورهم كراما في بعض ذلك بأن لا يسمعوه ، وذلك كالغناء . وفي بعض ذلك بأن يعرضوا عنه ويصفحوا ، وذلك إذا أوذوا بإسماع القبيح من القول . وفي بعضه بأن يَنْهَوْا عن ذلك ، وذلك بأن يروا من المنكر ما يغيّر بالقول فيغيروه بالقول . وفي بعضه بأن يضاربوا عليه بالسيوف ، وذلك بأن يروا قوما يقطعون الطريق على قوم ، فيستصرخهم المراد ذلك منهم ، فيصرخونهم ، وكلّ ذلك مرورهم كراما . وقد :

حدثني ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا محمد بن مسلم ، عن إبراهيم بن ميسرة ، قال : مرّ ابن مسعود بلهو مسرعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنْ أصْبَحَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَكَرِيما » .

وقيل : إن هذه الاَية مكية . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، قال : سمعت السديّ يقول : وَإذَا مَرّوا باللّغْوِ مَرّوا كِرَاما قال : هي مكية ، وإنما عنى السديّ بقوله هذا إن شاء الله ، أن الله نسخ ذلك بأمره المؤمنين بقتال المشركين بقوله : فَاقْتُلُوا المُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وأمرهم إذا مرّوا باللّغو الذي هو شرك ، أن يُقاتلوا أمراءه ، وإذا مرّوا باللغو ، الذي هو معصية لله أن يغيروه ، ولم يكونوا أمروا بذلك بمكة ، وهذا القول نظير تأويلنا الذي تأوّلناه في ذلك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِٱللَّغۡوِ مَرُّواْ كِرَامٗا} (72)

{ والذين لا يشهدون الزور } لا يقيمون الشهادة الباطلة ، أو لا يحضرون محاضر الكذب فإن مشاهدة الباطل شركة فيه { وإذا مروا باللغو } ما يجب أن يلقى ويطرح . { مروا كراما } معرضين عنه مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والخوض فيه ، ومن ذلك الإغضاء عن الفواحش والصفح عن الذنوب والكناية فيما يستهجن التصريح به .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِٱللَّغۡوِ مَرُّواْ كِرَامٗا} (72)

أتبع خصال المؤمنين الثلاث التي هي قِوام الإيمان بخصال أخرى من خصالهم هي من كمال الإيمان ، والتخلق بفضائله ، ومجانبة أحوال أهل الشرك . وتلك ثلاث خصال أولاها أفصح عنه قوله هنا { والذين لا يشهدون الزور } الآية .

وفعل ( شهد ) يستعمل بمعنى ( حضر ) وهو أصل إطلاقه كقوله تعالى : { فمن شَهِد منكم الشهر فلْيَصُمْه } [ البقرة : 185 ] ، ويستعمل بمعنى أخبر عن شيء شهده وعلمه كقوله تعالى : { وشَهد شاهد من أهلها } [ يوسف : 26 ] .

والزور : الباطل من قول أو فعل وقد غلب على الكذب . وقد تقدم في أول السورة فيجوز أن يكون معنى الآية : أنهم لا يحضرون محاضر الباطل التي كان يحضرها المشركون وهي مجالس اللهو والغناء والغيبة ونحوها ، وكذلك أعياد المشركين وألعابهم ، فيكون الزور مفعولاً به ل { يشهدون } . وهذا ثناء على المؤمنين بمقاطعة المشركين وتجنبهم . فأما شهود مواطن عبادة الأصنام فذلك قد دخل في قوله : { والذين لا يَدعون مع الله إلهاً آخر } [ الفرقان : 68 ] . وفي معنى هذه الآية قوله في سورة الأنعام ( 68 ) { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسِيَنَّك الشيطانُ فلا تقْعُد بعد الذكرى مع القوم الظالمين } ويجوز أن يكون فعل يشهدون } بمعنى الإخبار عما علموه ويكون الزور منصوباً على نزع الخافض ، أي لا يشهدون بالزور ؛ أو مفعولاً مطلقاً لبيان نوع الشهادة ، أي لا يشهدون شهادة هي زور لا حَقٌ .

وقوله : { وإذا مروا باللغو مروا كراماً } مناسب لكلا الجملتين .

واللغو : الكلام العبث والسفه الذي لا خير فيه . وتقدم في قوله تعالى : { لا يسمعون فيها لغواً } في سورة مريم ( 62 ) . ومعنى المرور به المرور بأصحابه اللاغين في حال لغوهم ، فجعل المرور بنفس اللغو للإشارة إلى أن أصحاب اللغو متلبسون به وقت المرور .

ومعنى : { مروا كراماً } أنهم يمرون وهم في حال كرامة ، أي غير متلبسين بالمشاركة في اللغو فيه فإن السفهاء إذا مروا بأصحاب اللغو أنِسُوا بهم ووقفوا عليهم وشاركوهم في لغوهم فإذا فعلوا ذلك كانوا في غير حال كرامة . ٍ

والكرامة : النزاهة ومحاسن الخلال ، وضدها اللؤم والسفالة . وأصل الكرامة أنها نفاسة الشيء في نوعه قال تعالى : { أنبتنا فيها من كل زوج كريم } [ الشعراء : 7 ] . وقال بعض شعراء حمير في « الحماسة » :

ولا يَخيم اللقاءَ فارسُهم *** حتى يشقَّ الصفوف مِن كَرمه

أي شجاعته ، وقال تعالى : { وأعد لهم أجراً كريماً } [ الأحزاب : 44 ] .

وإذا مر أهل المروءَة على أصحاب اللغو تنزهوا عن مشاركتهم وتجاوزوا ناديهم فكانوا في حال كرامة ، وهذا ثناء على المؤمنين بترفّعهم على ما كانوا عليه في الجاهلية كقوله تعالى : { وذرِ الذين اتّخذوا دينَهم لعباً ولهواً } [ الأنعام : 70 ] ، وقوله : { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين } [ القصص : 55 ] .

وإعادة فعل { مروا } لبناء الحال عليه ، وذلك من محاسن الاستعمال ، كقول الأحوص :

فإذَا تزول تزولُ عن متخمّط *** تُخشى بوادره على الأقران

ومنه قوله تعالى : { ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا } [ القصص : 63 ] كما ذكره ابن جنّي في « شرح مشكل أبيات الحماسة » ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { صراط الذين أنعمت عليهم } [ الفاتحة : 7 ] .