بذلك يحسم القرآن الكريم قصة الصلب . ثم يعود بعدها إلى تعداد مناكر اليهود ؛ وما نالهم عليها من الجزاء الأليم في الدنيا والآخرة .
( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم . وبصدهم عن سبيل الله كثيرا . وأخذهم الربا وقد نهوا عنه . وأكلهم أموال الناس بالباطل . وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليمًا ) . .
فيضيف إلى ما سبق من مناكرهم هذه المنكرات الجديدة : الظلم . والصد الكثير عن سبيل الله . فهم ممعنون فيه ودائبون عليه .
وأخذهم الربا - لا عن جهل ولا عن قلة تنبيه - فقد نهوا عنه فأصروا عليه ! وأكلهم أموال الناس بالباطل . بالربا وبغيره من الوسائل .
بسبب من هذه المنكرات ، ومما أسلفه السياق منها . . حرمت عليهم طيبات كانت حلالا لهم . وأعد الله للكافرين منهم عذابا أليمًا .
وهكذا تتكشف هذه الحملة عن كشف طبيعة اليهود وتاريخهم ؛ وفضح تعلاتهم وعدم الاستجابة للرسول وتعنتهم ؛ ودمغهم بالتعنت مع نبيهم وقائدهم ومنقذهم ؛ ويسر ارتكابهم للمنكر وجهرهم بالسوء في حق الأنبياء والصالحين . بل قتلهم والتبجح بقتلهم ! وتسقط بذلك وتتهاوى دسائس اليهود في الصف المسلم وكيدهم ومكرهم وحبائلهم . وتعرف الجماعة المسلمة - ما ينبغي أن تعرفه الأمة المسلمة في كل حين - عن طبيعة اليهود وجبلتهم ، ووسائلهم وطرائقهم ؛ ومدى وقوفهم للحق في ذاته سواء جاء من غيرهم أو نبع فيهم . فهم أعداء للحق وأهله ، وللهدى وحملته . في كل أجيالهم وفي كل أزمانهم . مع أصدقائهم ومع أعدائهم . . لأن جبلتهم عدوة للحق في ذاته ؛ جاسية قلوبهم ، غليظة أكبادهم لا يحنون رؤوسهم إلا للمطرقة ! ولا يسلمون للحق إلا وسيف القوة مصلت على رقابهم . .
وما كان هذا التعريف بهذا الصنف من الخلق ، ليقصر على الجماعة المسلمة الأولى في المدينة . فالقرآن هو كتاب هذه الأمة ما عاشت ، فإذا استفتته عن أعدائها أفتاها ، وإذا استنصحته في أمرهم نصح لها ؛ وإذا استرشدت به أرشدها . وقد أفتاها ونصح لها وأرشدها في شأن يهود ، فدانت لها رقابهم . . ثم لما اتخذته مهجورا دانت هي لليهود ، كما رأيناها تتجمع فتغلبها منهم الشر ذمة الصغيرة ، وهي غافلة عن كتابها . . القرآن . . شاردة عن هدية ، ملقية به وراءها ظهريا ! متبعة قول فلان وفلان ! ! وستبقى كذلك غارقة في كيد يهود وقهر يهود ، حتى تثوب إلى القرآن . .
{ فَبِظُلْمٍ مّنَ الّذِينَ هَادُواْ حَرّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَاتٍ أُحِلّتْ لَهُمْ وَبِصَدّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } . .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : فحرمنا على اليهود الذين نقضوا ميثاقهم الذي واثقوا ربهم ، وكفروا بآيات الله ، وقتلوا أنبياءهم ، وقالوا البهتان على مريم ، وفعلوا ما وصفهم الله في كتابه طيبات من المآكل وغيرها كانت لهم حلالاً ، عقوبة لهم بظلمهم الذي أخبر الله عنهم في كتابه . كما :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فَبِظُلْمٍ مِنَ الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا عَلَيْهِمْ طَيّباتٍ أُحِلّتْ لَهُمْ . . . الاَية ، عوقب القوم بظلم ظَلَموه وبَغْيٍ بَغَوه حرّمت عليهم أشياء ببغيهم وبظلمهم .
وقوله : وَبِصَدّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرا يعني : وبصدّهم عباد الله عن دينه وسبله التي شرعها لعباده صدّا كثيراٍ ، وكان صدّهم عن سبيل الله بقولهم على الله الباطل ، وادّعائهم أن ذلك عن الله ، وتبديلهم كتاب الله وتحريف معانيه عن وجوهه ، وكان من عظيم ذلك جحودهم نبوّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتركهم بيان ما قد علموا من أمره لمن جهل أمره من الناس . وبنحو ذلك كان مجاهد يقول .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثني أبو عاصم ، قال : ثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وَبِصَدّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرا قال : أنفسهم وغيرهم عن الحقّ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
قوله تعالى : { فبظلم } عطف على قوله { فبما نقضهم } [ النساء : 155 ] كأنه قال فبنقضهم لعناهم وأوجبنا عذابهم ، فبظلم منهم حرمنا عليهم المطاعم ، وجعل الله تعالى هذه العقوبة الدنيوية إزاء ظلم بني إسرائيل في تعنتهم وسائر أخلاقهم الدميمة ، و «الطيبات » هنا : هي الشحوم وبعض الذبائح والطير والحوت وغير ذلك ، وقرأ ابن عباس «طيبات كانت أحلت لهم »
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.