تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَبِظُلۡمٖ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ طَيِّبَٰتٍ أُحِلَّتۡ لَهُمۡ وَبِصَدِّهِمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيرٗا} (160)

الآية 160

وقوله تعالى : { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } لولا آية {[6787]} أخرى سوى هذه . وإلا صرفنا قوله سبحانه وتعالى : { حرمنا عليهم طيبات } على المنع دون تحقيق التحريم لأنهم أهل الكفر ، فلا يبالون بالمحرم والمحلل ، ولا يمتنعون عن التناول من ذلك . فإذا كان ما ذكرنا فيجيء أن يصرف تأويل الآية إلى المنع كقوله تعالى : { وحرمنا عليه المراضع من قبل } ( القصص : 12 ) فليس هو على التحريم ، ولكن على المنع ؛ أي منعناه فلم يأخذ من لبن المراضع دون لبن أمه . فعلى ذلك يجب أن يكون الأول .

ثم المنع لهم يكون من وجهين :

أحدهما : منع من جهة منع الأنزال لقلة الأمطار والقحط كسني يوسف عليه السلام وسني مكة على ما كان لهم من القحط .

والثاني : من جهة الخلق لا يعطون شيئا لا بيعا ولا شراء معروفا . ولكن في آية أخرى بيان أن قوله{ حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم }{[6788]} : على التحريم ليس على المنع ، وهو كقوله تعالى : { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومنا إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم }( الأنعام : 146 ) فدل على ما ذكرنا الآية أن ذلك على تحقيق التحريم لما يحتمل أن يكونوا لا يستحلون ما ذكر في الآية ، ولكن كانوا يتناولون على غير الاستحلال ، فحرم ذلك عليهم .

وفي قوله تعالى : { حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } دلالة لأصحابنا ، رحمهم الله ، في قولهم : إن من أقر ، فقال : هذا الشيء لفلان اشتريته منه ، لا يؤخذ منه ، وإلا في ظاهر قوله : هذا الشيء لفلان اشتريته منه ، إذا اشتراه منه ، لا يكون لفلان ، فيكون ذلك إقرارا له . لكنه على الإضمار ، كأنه قال : هذا الشيء ، كان لفلان ، اشتريته منه . وكذلك قوله { حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } أي كانت لهم . وكذلك في حرف ابن مسعود رضي الله عنه وحرف ابن مسعود رضي الله عنها{ حرمنا عليهم طيبات } كانت{ أحلت لهم } .

وقوله تعالى : { وبصدهم عن سبيل الله كثيرا } يحتمل هذا وجهين : يحتمل أنهم صدوا من يستجهلون ، ويستسفهون عن سبيل الله ؛ كانوا يدلون على الباطل وعلى غير سبيل الله ، فذلك الصد . ويحتمل أنهم كانوا يصدون عن سبيل الله بالقتال والحرب .


[6787]:هي قوله تعالى:{كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة} (آل عمران:93).
[6788]:أدرج قبلها في الأصل وم: أنه.