فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَبِظُلۡمٖ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ طَيِّبَٰتٍ أُحِلَّتۡ لَهُمۡ وَبِصَدِّهِمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيرٗا} (160)

{ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ( 160 ) }

{ فبظلم } الباء للسببية ، والتنكير ، والتنوين للتعظيم ، أي بسبب ظلم عظيم لا بسبب شيء آخر كما زعموا أنها كانت محرمة على من قبلهم { من الذين هادوا } لعل ذكرهم بهذا العنوان للإيذان بكمال ظلمهم بتذكير وقوعه بعدما هادوا أي تابوا ورجعوا عن عبادة العجل { حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } الطيبات المذكورة هي ما نصه الله تعالى في سورة الأنعام { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } الآية .

قال الواحدي : وأما وجه تحريم الطيبات عليهم كيف ومتى كان وعلى لسان من حرم فلم أجد فيه شيئا أنتهي إليه فتركته ، قال الخازن : ولقد أنصف الواحدي فيما قال فإن هذه الآية في غاية الإشكال انتهى .

قلت : ولهذا لم يذكر الرازي والشوكاني في تفسيرهما ما ذكره المفسرون في معنى الظلم المذكور في الآية وذكرا لها تفسيرا إجماليا ، فكانوا كلما ارتكبوا معصية من المعاصي التي اقترفوها يحرم الله عليهم نوعا من الطيبات التي كانت حلالا لهم ولمن تقدمهم من أسلافهم عقوبة لهم ، وكانوا مع ذلك يفترون على الله سبحانه ويقولون لسنا بأول من حرمت عليه ، وإنما كانت محرمة على إبراهيم ونوح ومن بعدهما حتى انتهى الأمر إلينا فكذبهم الله تعالى في مواضع كثيرة وبكتهم بقوله { كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة } الآية قاله أبو السعود .

{ وبصدهم } أنفسهم وغيرهم { عن سبيل الله } وهو إتباع محمد صلى الله عليه وسلم وبتحريفهم وقتلهم الأنبياء وما صدر منهم من الذنوب المعروفة { كثيرا } أي بصدهم ناسا كثيرا أو صدا كثيرا أو زمانا كثيرا ، والأول أولى .