محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَبِظُلۡمٖ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ طَيِّبَٰتٍ أُحِلَّتۡ لَهُمۡ وَبِصَدِّهِمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيرٗا} (160)

( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا160 ) .

( فبظلم ) أي : بسبب ظلم عظيم ، فالتنوين للتفخيم . وهو جامع لتفصيل نقض الميثاق وما عطف عليه مما استحلوه ، بعد أن حرمته التوراة ( من الذين هادوا ) أي تلبسوا باليهودية . وفيه تعظيم ظلمهم أيضا . إذ صدر عنهم بعدما ادعوا أنهم من أهل التوراة والرجوع إلى الحق ( حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ) قال ابن كثير : هذا التحريم قد يكون قدريا . بمعنى أنه تعالى قيضهم لأن تأولوا في كتابهم وحرفوا وبدلوا أشياء كانت حلالا لهم . فحرموها على أنفسهم تضييقا وتنطعا . ويحتمل أن يكون شرعيا . بمعنى أنه تعالى حرم عليهم في التوراة أشياء كانت حلال لهم قبل ذلك . كما قال تعالى : ( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم اسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ) {[2612]} . أي : ما عدا ما كان حرم اسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ، من لحوم الإبل وألبانها . ثم انه تعالى حرم أشياء كثيرة في التوراة . كما قال في سورة الأنعام : ( وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر * ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم * ذلك جزيناهم ببغيهم * وإنا لصادقون ) {[2613]} . أي : إنما حرمنا عليهم ذلك ، لطغيانهم ومخالفتهم رسولهم واختلافهم عليه .

ولما ذكر ظلمهم ذكر مجامع من جزئياته بقوله تعالى : ( وبصدهم عن سبيل الله ) أي : الذي لا أوضح منه ولا أسهل ولا أعظم ( كثيرا ) أي : ناسا كثيرا . أو صدا كثيرا . فهم صدوا الناس وصدوا أنفسهم عن إتباع الحق . وهذه سجية لهم متصفون بها من قديم الدهر وحديثه . ولهذا كانوا أعداء الرسل وقتلوا خلقا من الأنبياء . وكفروا بعيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم .


[2612]:|3/ آل عمران/ 91| (... قل فأتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين93).
[2613]:|6/ الأنعام/ 146|.