وفي النهاية يتوجه الحديث إلى المتخلفين التائبين :
( وقل : اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون ، ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) . .
ذلك أن المنهج الإسلامي منهج عقيدة وعمل يصدق العقيدة . فمحك الصدق في توبتهم إذن هو العمل الظاهر ، يراه اللّه ورسوله والمؤمنون . فأما في الآخرة فمردهم إلى عالم الغيب والشهادة الذي يعلم فعل الجوارح وكوامن الصدور .
إن الندم والتوبة ليسا نهاية المطاف . ولكنه العمل الذي يعقب الندم والتوبة . فيصدق أو يكذب تلك المشاعر النفسية ويعمقها أو يكتسحها بعد أن تكون !
إن الإسلام منهج حياة واقعية ، لا تكفي فيه المشاعر والنوايا ، ما لم تتحول إلى حركة واقعية . وللنية الطيبة مكانها ؛ ولكنها هي بذاتها ليست مناط الحكم والجزاء . إنما هي تحسب مع العمل ، فتحدد قيمة العمل . وهذا معنى الحديث : " إنما الأعمال بالنيات " . . الأعمال . . لا مجرد النيات
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدّونَ إِلَىَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وَقُلْ يا محمد لهؤلاء الذين اعترفوا لك بذنوبهم من المتخلفين عن الجهاد معك : اعْمَلُوا لله بما يرضيه من طاعته وأداء فرائضه ، فَسَيَرى اللّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ يقول : فسيرى الله إن عملتم عملكم ، ويراه رسوله . وَالمُؤْمِنُونَ في الدنيا وَسَيُرَدّونَ يوم القيامة إلى من يعلم سرائركم وعلانيتكم ، فلا يخفى عليه شيء من باطن أموركُمْ وظواهرها . فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول : فيخبركم بما كنتم تعملون ، وما منه خالصا وما منه رياء وما منه طاعة وما منه لله معصية ، فيجازيكم على ذلك كله جزاءكم ، المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد : وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والمُؤْمِنُونَ قال : هذا وعيد .
وقوله { وقل اعملوا } الآية ، صيغة أمر مضمنها الوعيد ، وقال الطبري : المراد بها الذين اعتذروا من المتخلفين وتابوا .
قال القاضي أبو محمد : والظاهر أن المراد بها الذين اعتذورا ولم يتوبوا وهم المتوعدون وهم الذين في ضمير قوله { ألم يعلموا } إلا على الاحتمال الثاني من أن الآيات كلها في { الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً } [ التوبة : 84 ] ، ومعنى { فسيرى الله } أي موجوداً معوضاً للجزاء عليه بخير أو شر ، وأما الرسول والمؤمنون فرؤيتهم رؤية حقيقة لا تجوز ، وقال ابن المبارك رؤية المؤمنين هي شهادتهم على المرء بعد موته وهي ثناؤهم عند الجنائز ، وقال الحسن ما معناه : إنهم حذروا من فراسة المؤمن التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله »{[5882]} ، وقوله تعالى { وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون } يريد البعث من القبور ، و { الغيب والشهادة } معناه ما غاب وما شوهد ، وهي حالتان تعم كل شيء{[5883]} ، وقوله { فينبئكم } عبارة عن حضور الأعمال وإظهارها للجزاء عليها وهذا وعيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.