فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (105)

{ وقل } لهم أو للناس وهما قولان للمفسرين { اعملوا } ما شئتم من الأعمال الصالحة والسيئة { فسيرى الله عملكم } خيرا كان أو شرا تعليل لما قبله { ورسوله والمؤمنون } فيه تخويف وتهديد للمذنبين أي إن عملكم لا يخفى على الله ولا على رسوله ولا على المؤمنين ، فسارعوا إلى أعمال الخير أو أخلصوا أعمالكم لله عز وجل ، وفيه أيضا ترغيب وتنشيط للمطيعين ، فإن من علم أن عمله لا يخفى سواء كان خيرا أو شرا رغب إلى أعمال الخير وتجنب أعمال الشر ، وما أحسن قول زهير :

ومهما يكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم

فظاهره ترغيب وترهيب ، والمراد بالرؤية هنا علم بما يصدر من الأعمال والاستقبال بالنظر للمجازاة وإلا فالعلم حاصل بالفعل أي فسيجازيكم على عملكم والمجازاة من الله معلومة ومن رسوله والمؤمنين بمعنى الثناء عليهم والدعاء لهم .

قال مجاهد : هذا وعيد من الله عز وجل ، وقال أبو السعود : زيادة ترغيب لهم في العمل الصالح ، وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لأخرج الله عمله للناس كائنا ما كان ) {[919]} .

ثم جاء سبحانه بوعيد شديد فقال { وستردون } أي بالبعث بعد الموت { إلى عالم الغيب والشهادة } أي إليه سبحانه الذي يعلم ما تسرونه وما تعلنونه وما تخفونه وما تبدونه . وفي تقديم الغيب على الشهادة إشعار بسعة علمه عز وجل وأنه لا يخفى عليه شيء ، ويستوي عنده كل معلوم .

ثم ذكر سبحانه ما سيكون عقب ردهم إليه فقال { فينبئكم } أي يخبركم { بما كنتم تعملون } في الدنيا فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ويتفضل على من يشاء من عباده .


[919]:- المستدرك كتاب الرقاق 4 /314.