المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡعَذَابَ بِٱلۡمَغۡفِرَةِۚ فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ} (175)

175- وأولئك هم الآثمون الذين اختاروا الضلالة على الهدى فاستحقوا العذاب في الآخرة بدل الغفران ، فكانوا كمن يشترى الباطل بالحق ، وما فيه ضلال بما فيه هداية ، وإن حالهم لتدعو إلى العجب ، إذ يصبرون على موجبات العذاب ويستطيبون ما يؤدي بهم إليه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡعَذَابَ بِٱلۡمَغۡفِرَةِۚ فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ} (175)

158

وتعبير آخر مصور موح :

( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة ) . .

فكأنما هي صفقة يدفعون فيها الهدى ويقبضون الضلالة ! ويؤدون المغفرة ويأخذون فيها العذاب . . فما أخسرها من صفقة وأغباها ! ويا لسوء ما ابتاعوا وما اختاروا ! وإنها لحقيقة . فقد كان الهدى مبذولا لهم فتركوه وأخذوا الضلالة . وكانت المغفرة متاحة لهم فتركوها واختاروا العذاب . .

( فما أصبرهم على النار ! ) . .

فيا لطول صبرهم على النار ، التي اختاروها اختيارا ، وقصدوا إليها قصدا .

فيا للتهكم الساخر من طول صبرهم على النار !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡعَذَابَ بِٱلۡمَغۡفِرَةِۚ فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ} (175)

القول في تأويل قوله تعالى : { أُولََئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضّلاَلَةَ بِالْهُدَىَ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النّارِ }

يعني تعالى ذكره بقوله : أُولَئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُا الضّلالَةَ بالهُدَى أولئك الذين أخذوا الضلالة وتركوا الهدى ، وأخذوا ما يوجب لهم عذاب الله يوم القيامة وتركوا ما يوجب لهم غفرانه ورضوانه . فاستغنى بذكر العذاب والمغفرة من ذكر السبب الذي يوجبهما ، لفهم سامعي ذلك لمعناه والمراد منه . وقد بينا نظائر ذلك فيما مضى ، وكذلك بينا وجه : اشْتَرَوُا الضّلالَةَ بالهُدَى باختلاف المختلفين والدلالة الشاهدة بما اخترنا من القول فيما مضى قبل فكرهنا إعادته .

القول في تأويل قوله تعالى : فَمَا أصْبَرَهُمْ على الّنار .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : فما أجرأهم على العمل الذي يقرّبهم إلى النار . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فَمَا أصْبَرَهُمْ على النّار يقول : فما أجرأهم على العمل الذي يقرّبهم إلى النار .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : فَمَا أصْبَرَهُمْ على النّار يقول : فما أجرأهم عليها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن بشر ، عن الحسن في قوله : فَمَا أصْبَرَهُمْ على النّارِ قال : والله ما لهم عليها من صبر ، ولكن ما أجرأهم على النار .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا مسعر . وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو بكير ، قال : حدثنا مسعر ، عن حماد ، عن مجاهد أو سعيد بن جبير أو بعض أصحابه : فَمَا أصْبَرَهُمْ على النّارِ ما أجرأهم .

حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : فَمَا أصْبَرَهُمْ على النّارِ يقول : ما أجرأهم وأصبرهم على النار .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فما أعملهم بأعمال أهل النار . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : فَمَا أصْبَرَهُمْ على النّارِ قال : ما أعملهم بالباطل .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

واختلفوا في تأويل ( ما ) التي في قوله : فَمَا أصْبَرَهُمْ على النّارِ فقال بعضهم : هي بمعنى الاستفهام ، وكأنه قال : فما الذي صبرهم ، أيّ شيء صبرهم ؟ ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : فَمَا أصْبَرَهُمْ على النّار هذا على وجه الاستفهام ، يقول : ما الذي أصبرهم على النار .

حدثني عباس بن محمد ، قال : حدثنا حجاج الأعور ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قال لي عطاء : فَمَا أصْبَرَهُمْ على النّارِ قال : ما يصبرهم على النار حين تركوا الحق واتبعوا الباطل .

حدثنا أبو كريب ، قال : سئل أبو بكر بن عياش : فَمَا أصْبَرَهُمْ على النّارِ قال : هذا استفهام ، ولو كانت من الصبر قال : «فما أصبرُهم » رفعا ، قال : يقال للرجل : «ما أصبرك » ، ما الذي فعل بك هذا ؟

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : فَمَا أصْبَرَهُمْ على النّارِ قال : هذا استفهام ، يقول : ما هذا الذي صبرهم على النار حتى جرأهم فعملوا بهذا ؟

وقال آخرون : هو تعجب ، يعني : فما أشد جراءتهم على النار بعملهم أعمال أهل النار ذكر من قال ذلك :

حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَمَا أصْبَرَهُمْ على النّارِ قال : ما أعملهم بأعمال أهل النار . وهو قول الحسن وقتادة ، وقد ذكرناه قبل .

فمن قال هو تعجب ، وجه تأويل الكلام إلى : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أشدّ جراءتهم بفعلهم ما فعلوا من ذلك على ما يوجب لهم النار ، كما قال تعالى ذكره : قُتِلَ الإنْسانُ ما أكْفَرَهُ تعجبا من كفره بالذي خلقه وسوّى خلقه .

فأما الذين وجهوا تأويله إلى الاستفهام فمعناه : هؤلاء الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصْبَرَهم على النار والنار لا صبر عليها لأحد حتى استبدلوها بمغفرة الله فاعتاضوها منها بدلاً ؟ .

وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : ما أجرأهم على النار ، بمعنى : ما أجرأهم على عذاب النار ، وأعملهم بأعمال أهلها وذلك أنه مسموع من العرب : ما أصبر فلانا على الله ، بمعنى : ما أجرأ فلانا على الله ، وإنما يعجب الله خلقه بإظهار الخبر عن القوم الذين يكتمون ما أنزل الله تبارك وتعالى من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوّته ، واشترائهم بكتمان ذلك ثمنا قليلاً من السحت والرشا التي أعطوها ، على وجه التعجب من تقدمهم على ذلك مع علمهم بأن ذلك موجب لهم سخط الله وأليم عقابه .

وإنما معنى ذلك : «فما أجرأهم على عذاب النار » ولكن اجتزىء بذكر النار من ذكر عذابها كما يقال : ما أشبه سخاءك بحاتم ، بمعنى : ما أشبه سخاءك بسخاء حاتم ، وما أشبه شجاعتك بعنترة .