اعلم أنَّ أَحْسَنَ الأشياء في الدُّنيا الاهتداء والعلم وأقبح الأشياء الضَّلال والجَهْل فَلَمَّا تركُوا الهُدَى في الدُّنيا ، ورضُوا بالضَّلال والجهل ، فلا شَكَّ أَنَّهُمْ في نهاية الخَسَارة في الدنيا ، وَأَمَّا في الآخرة ، فأحسن{[2372]} الأشياء المَغْفِرة ، وأخْسَرُها العذَابُ ، فَلَمَّا صرفوا المغفرة ، ورضُوا بالعَذَاب ، فلا جَرَم : أنهم في نهاية الخَسَارة ، ومَنْ كانت هذه صفتَهُ ، فهو أعْظَمُ النَّاس خسارةً في الدُّنيا والآخِرَة .
قولُهُ { فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ } في " ما " هذه خمسةُ أقْوالٍ :
أحدها : وهو قول سيبويه{[2373]} ، والجُمهُور : أَنَّها نكرةُ تامَّةُ غير موصُولة ، ولا موصوفةٍ ، وَأَنَّ معناها التعجُّب ، فإذَا قُلْتَ : " مَا أَحْسَنَ زَيْداً " ، فمعناهُ : شيءٌ صَيَّرَ زَيْداً حَسَناً .
الثاني : قولُ الفراء{[2374]}- رحمه الله تعالى - أَنَّهَا استفهاميَّةٌ صَحِبَها معنى التعجُّب ؛ نحو " كَيْف تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ " .
قال عطَاءٌ ، والسُّدِّيُّ : هو " ما " الاستفهام ، معناه : ما الَّذي صَبَّرهم على النَّار ؟ وأيُّ شيء صَبَّرهم على النَّار ؛ حتى تَرَكُوا الحَقَّ ، واتبعوا البَاطِلَ{[2375]} .
قال الحَسَن ، وقَتادة : " والله ما لهم عَلَيْها من صَبْر ، ولكنْ ما أجرأهم على العمل الَّذي يقرِّبهم إلى النار{[2376]} " وهي لغة يَمَنية معروفةٌ .
قال الفراء : أخبرني الكسائيُّ قال : أخبرني قاضي " اليَمَنِ " أَنَّ خَصْمَينِ اخْتَصَمَا إلَيْهِ فوجَبَتِ اليمينُ على أحدهِمَا ، فحلَفَ ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ : ما أصْبَرَكَ عَلَى اللَّهِ ؟ أي : ما أجرأك عليه{[2377]} .
وحكى الزَّجَّاجُّ : ما أبقاهُمْ على النَّار ، من قولِهِم : " مَا أَصْبَرَ فُلاَناً على الحَبْس " ، أي : ما أبقاهُ فيه{[2378]} .
والثالث : ويُعْزَى للأخفش{[2379]} [ أَنَّهَا موصُولةٌ .
الرابع : ويُعْزَى له أيضاً : أنها نكرةٌ موصوفةٌ وهي على الأقوال الأربعة في مَحَلِّ رفع بالابتداءِ ، وخبرها على القَوْلين الأولَيْن : الجملةُ الفعليَّة بعدَها ، وعلى قوْلي الأخْفَش ]{[2380]} : يكون الخبر مَحذوفاً فإنَّ الجملة بعدها إما أن تكون صلةً ، أو صفةً . وكذلك اختلفُوا في أفْعَل الواقع بعدها ، أهو اسمٌ ؟ وهو قول الكوفيِّن ، أم فعل ؟ وهو الصحيحُ ، ويترتَّب على هذا الخلاَفِ خلافٌ في نصْب الاسْمِ بعده ، هَلْ هو مفعولٌ به ، أو مشبَّه بالمعفول به ، ولكلٍّ مِنَ المذْهَبَين دلائلُ ، واعتراضات وأجوبةٌ ليس هذا موضعها .
والمراد بالتعجُّب هنا ، وفي سائر القُرْآن : الإعلامُ بحالهم ؛ إنَّها ينبغي أنْ يتعجَّب منها ، وإلا فالتعجب مستحيلٌ في حقِّه تعالى ، ومعنى عَلَى النَّارِ ، أي : على عمل أهْل النار ، قاله الكِسَائيُّ ، وهذا من مجاز الكَلاَمِ .
الخامس : أنَّها نافيةٌ ، أَي : { فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ } . نقله أَبُوا البقاء{[2381]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.