{ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا [ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ] } {[14747]} حكى قولها في هذه الآية ، كما حكى فعلها في الآية الأخرى ، فإنها : { قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ } وفي الذاريات : { فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } [ الذاريات : 29 ] ، كما جرت به عادة النساء في أقوالهن وأفعالهن عند التعجب .
لما بشّروها بذلك صرحت بتعجبها الذي كتمته بالضحك ، فقالت : { يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشيءٌ عجيب } ، فجملة { قالت } جواب للبشارة .
و ( يعقوب ) مبتدأ { ومن وراء إسحاق } خبر ، والجملة على هذا في محلّ الحال . وهذه قراءة الجمهور . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، وحفص { يعقوبَ } بفتحة وهو حينئذٍ عطف على { إسحاق } . وفصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف وخطبه سهل وإن استعظمه ظاهرية النحاة كأبي حيان بقياس حرف العطف النائب هنا مناب الجار على الجار نفسه ، وهو قياس ضعيف إذ كون لفظ بمعنى لفظ لا يقتضي إعطاءه جميع أحكامه كما في « مغني اللبيب » .
والنداء في { يا ويلتا } استعارة تبعية بتنزيل الويلة منزلة من يعقل حتّى تنادى ، كأنها تقول : يا ويلتي احضر هنا فهذا موضعك .
والويلة : الحادثة الفظيعة والفضيحة . ولعلّها المرة من الويل . وتستعمل في مقام التعجب ، يقال : يا ويلتي .
واتّفق القرّاء على قراءة { يا ويلتا } بفتحة مشبعة في آخره بألف . والألف التي في آخر { يا ويلتا } هنا يجوز كونها عوضاً عن ياء المتكلم في النداء . والأظهر أنها ألف الاستغاثة الواقعة خلَفاً عن لام الاستغاثة . وأصله : يا لَويلة . وأكثر ما تجيء هذه الألف في التعجّب بلفظ عجب ، نحو : يا عجباً ، وباسم شيء متعجب منه ، نحو : يا عشبا .
وكتب في المصحف بإمالة ولم يقرأ بالإمالة ، قال الزجاج : كتب بصورة الياء على أصل ياء المتكلم .
والاستفهام في { أألد وأنا عجوز } مستعمل في التعجب . وجملة { أنا عجوز } في موضع الحال ، وهي مناط التعجب .
والبعل : الزوج . وسيأتي بيانه عند تفسير قوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلاّ لبعولتهن } في سورة [ النّور : 31 ] ، فانظره .
وزادت تقرير التعجب بجملة { إنّ هذا لشيء عجيب } وهي جملة مؤكدة لصيغة التعجب فلذلك فصلت عن التي قبلها لكمال الاتّصال ، وكأنّها كانت متردّدة في أنهم ملائكة فلم تطمئنّ لتحقيق بشراهم .
وجملة { هذا بعلي } مركبة من مبتدأ وخبر لأنّ المعنى هذا المشار إليه هو بعلي ، أي كيف يكون له ولد وهو كما ترى . وانتصب { شيخاً } على الحال من اسم الإشارة مبينة للمقصود من الإشارة .
وقرأ ابن مسعود { وهذا بعلي شيخ } برفع شيخ على أن ( بعلي ) بيان من ( هذا ) و ( شيخ ) خبر المبتدأ . ومعنى القراءتين واحد .
وقد جرت على هذه القراءة النادرة لطيفة وهي : ما أخبرنا شيخنا الأستاذ الجليل سالم بوحاجب أنّ أبا العبّاس المبرّد دُعي عند بعض الأعيان في بغداد إلى مأدبة ، فلمّا فرغوا من الطّعام غنّت من وراء الستار جارية لرب المنزل ببيتين :
وقالوا لها هذا حبيبك معرضٌ *** فقالت : ألاَ إعراضه أهون الخطب
فما هي إلاّ نظرة وابتسامـة *** فتصطكّ رجلاه ويسقط للجنــب
فطرب كل من بالمجلس إلاّ أبا العبّاس المبرد فلم يتحرك ، فقال له رب المنزل : ما لك لم يطربك هذا ؟ .
فقالت الجارية : مَعذُور يحسبني لحنت في أن قلت : معرضٌ بالرفع ولم يعلم أنّ عبد الله بن مسعود قرأ « وهذا بعلي شيخٌ » فطرب المبرد لهذا الجواب{[251]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.