المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا} (22)

22- ولا تتزوجوا - أيها الأبناء - ما تزوج آباؤكم من النساء ، إنه كان أمراً فاحش القبح ، يمقته الله والناس ، وهو أسوأ سبيل ومقصد ، وأن الله يعفو عما قد سلف منكم في زمن الجاهلية{[40]} .


[40]:كان عند العرب في الجاهلية عادات ليس فيها تكريم للمرأة بل فيها ظلم شديد لها، وفيها قطع للعلاقة التي تربط بين الأسرة، فكان الرجل إذا مات أبو ه وكان متزوجا غير أمه يفرض عليها زواجها منه، أو يرث زوج أبيه من غير عقد يعقده عليها من جديد، وكان الرجل إذا طلق امرأته وقد دخل بها يسترد كل ما أعطاها من مهر ظالما معتديا، ومنهم من كان يعمل على منعها من الزواج بغيره معتديا آثما، ولا نصير لها في ذلك الوسط، فجاء الإسلام، ودفع عنها ذلك الظلم البين، ونهى عن أن يورث زواج النساء، وأن يسترد شيء من المهر، ولو كان قنطارا، ونهى عن العضل وهو منع المرأة من الزواج أو إيذاؤها لحملها على طلب الطلاق بمال تعطيه. وكان من الجائز عندهم أن الرجل يتزوج من تزوجها أبو ه وافترق عنها بطلاق أو نحوه، فنهى الإسلام عنه، وسماه مقتا، لأنه أمر فاحش القبح، يمقته الله، ويمقته أهل العقول المستقيمة، وذلك عدل الله.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا} (22)

ثم قال تعالى : { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا }

أي : لا تتزوجوا من النساء ما تزوجهن آباؤكم أي : الأب وإن علا . { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } أي : أمرا قبيحا يفحش ويعظم قبحه { وَمَقْتًا } من الله لكم ومن الخلق بل يمقت بسبب ذلك الابن أباه والأب ابنه ، مع الأمر ببره .

{ وَسَاءَ سَبِيلًا } أي : بئس الطريق طريقا لمن سلكه لأن هذا من عوائد الجاهلية ، التي جاء الإسلام بالتنزه عنها والبراءة منها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا} (22)

وقوله تعالى : { وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا ]{[6886]} } يُحَرم تعالى زوجات الآباء تكرمة لهم ، وإعظامًا واحترامًا أن توطأ من بعده ، حتى إنها لتحرم على الابن بمجرد العقد عليها ، وهذا أمر مجمع عليه .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا قيس بن الربيع عن أشعث بن سَوَّار ، عن عدي بن ثابت ، عن رجل من الأنصار قال : لما توفي أبو قَيْس - يعني ابن الأسلت - وكان من صالحي الأنصار ، فخطب ابنَه قيس امرأته ، فقالت : إنما أعُدُّكَّ ولدا وأنت من صالحي قومك ، ولكن آتي{[6887]} رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمره . فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أبا قيس تُوفِّي . فقال : " خيرا " . ثم قالت : إن ابنه قيسًا خطبني وهو من صالحي قومه . وإنما كنت أعده ولدًا ، فما ترى ؟ فقال{[6888]} لها : " ارجعي إلى بيتك " . قال : فنزلت هذه الآية { وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ ]{[6889]} } الآية .

وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا ، حسين ، حدثنا حَجَّاج ، عن ابن جُرَيْج ، عن عِكْرمة في قوله : { وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ } [ الآية ]{[6890]} قال : نزلت في أبي قيس ابن الأسلت ، خُلِّفَ على أم عبيد{[6891]} الله بنت صخر{[6892]} وكانت تحت الأسلت أبيه ، وفي الأسود بن خَلَفَ ، وكان خلف على ابنة أبي طلحة بن عبد العُزّى بن عُثمان بن عبد الدار ، وكانت عند أبيه خَلَف ، وفي فاخِتَة ابنة الأسود بن المطلب بن أسد ، كانت عند أمية بن خَلَف ، فخُلِّف عليها صفوان ابن أمية{[6893]} .

وقد زعم السُّهيلي أن نكاح نساء الآباء كان معمولا به في الجاهلية ؛ ولهذا قال : { إِلا مَا قَدْ سَلَفَ } كما قال { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ } قال : وقد فعل ذلك كِنَانة بن خزيمة ، تزوج بامرأة أبيه ، فأولدها ابنه النضْر بن كنانة قال : وقد قال صلى الله عليه وسلم : " وُلِدتُ من نِكاحٍ لا من سِفَاحٍ " . قال : فدل على أنَّه كان سائغًا لهم ذلك ، فإن أراد أن ذلك كان عندهم يعدونه نكاحًا فيما بينهم ، فقد قال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي{[6894]} حدثنا قُرَاد ، حدثنا ابن عيينة عن عمر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يُحَرِّمون ما حرم الله ، إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين ، فأنزل الله : { وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ } { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ } وهكذا قال عطاء وقتادة . ولكن فيما نقله السهيلي من قصة كنانة نظر ، والله أعلم . على كل تقدير فهو حرام في هذه الأمة ، مُبَشَّع غاية التبشع{[6895]} ولهذا قال : { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا } ولهذا قال{[6896]} [ تعالى ]{[6897]} { وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [ الأنعام : 151 ] وقال { وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا } [ الإسراء : 32 ] فزاد هاهنا : { وَمَقْتًا } أي : بُغْضًا ، أي هو أمر كبير في نفسه ، ويؤدي إلى مقت الابن أباه بعد أن يتزوج بامرأته ، فإن الغالب أن من تزوج بامرأة يبغض من كان زوجها قبله ؛ ولهذا حرمت أمهات المؤمنين على الأمة ؛ لأنهن أمهات ، لكونهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو كالأب [ للأمة ]{[6898]} بل حقه أعظم من حق الآباء بالإجماع ، بل حبه مقدم على حب النفوس صلوات الله وسلامه عليه .

وقال عَطاء بن أبي رَباح في قوله : { ومقتا } أي : يمقت الله عليه { وَسَاءَ سَبِيلا } أي : وبئس طريقا لمن سلكه من الناس ، فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه ، فيقتل ، ويصير ماله فيئا لبيت المال . كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من طرق ، عن البراء بن عازب ، عن خاله أبي{[6899]} بردة - وفي رواية : ابن عمر - وفي رواية : عن عمه : أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن يقتله ويأخذ ماله .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هُشَيْم ، حدثنا أشعث ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب قال : مرَّ بي عمي الحارث بن عمرو ، ومعه لواء قد عقده له النبي{[6900]} صلى الله عليه وسلم فقلت له : أي عم ، أين بعثك النبي [ صلى الله عليه وسلم ]{[6901]} ؟ قال : بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه{[6902]} .

مسألة :

وقد أجمع{[6903]} العلماءُ على تحريم من وطئها الأبُ بتزويج أو ملك أو بشبهة أيضًا ، واختلفوا فيمن باشرها بشهوة دون الجماع ، أو نظر إلى ما لا يحل له النظر إليه منها لو كانت أجنبية . فعن الإمام أحمد رحمه الله أنها تحرم أيضا بذلك . قد روى [ الحافظ ]{[6904]} ابن{[6905]} عساكر في ترجمة خُدَيْج الحِصْنِيّ{[6906]} مولى معاوية قال : اشترى لمعاوية جارية بيضاء جميلة ، فأدخلها عليه مجردة وبيده قضيب . فجعل يهوي به إلى متاعها ويقول : هذا المتاع لو كان له متاع ! اذهب بها إلى يزيد بن معاوية . ثم قال : لا ادع لي ربيعة بن عمرو الجُرَشِي - وكان فقيها - فلما دخل عليه قال : إن هذه أتيت بها مجردة ، فرأيت منها ذاك وذاك ، وإني أردت أن أبعث بها إلى يزيد . فقال : لا تفعل يا أمير المؤمنين ، فإنها لا تصلح له . ثم قال : نعم ما رأيت . ثم قال : ادع لي عبد الله بن مسعدة الفزاري ، فدعوته ، وكان آدم شديد الأدمة ، فقال : دونك هذه ، بَيض بها ولدك . قال : و[ قد ]{[6907]} كان عبد الله بن مسعدة هذا وهبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة فربته ثم أعتقته ثم كان بعد ذلك مع معاوية من الناس عَلَى عَلِي [ بن أبي طالب ]{[6908]} رضي الله عنه .


[6886]:زيادة من جـ، ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[6887]:في أ: "أتيت".
[6888]:في جـ، ر، أ، "قال".
[6889]:زيادة من ج، ر، أ.
[6890]:زيادة من أ.
[6891]:في أ: "عبد".
[6892]:في جـ، ر، أ: "ضمرة".
[6893]:تفسير الطبري (8/133).
[6894]:في أ: "المحرمي".
[6895]:في ر: "التبشيع".
[6896]:في جـ، ر، أ: "وقد قال".
[6897]:زيادة من ر.
[6898]:زيادة من أ.
[6899]:في ر: "أبو" وهو خطأ.
[6900]:في ر: "رسول الله".
[6901]:زيادة من جـ، ر، أ.
[6902]:المسند (4/392).
[6903]:في أ: "اجتمع".
[6904]:زيادة من أ.
[6905]:في أ: "أبو".
[6906]:في جـ، أ: "الحمصي"، ولم أجد ترجمته فيما بين يدي من تاريخ دمشق لابن عساكر ولا في المختصر لابن منظور.
[6907]:زيادة من جـ، أ.
[6908]:زيادة من جـ، ر، أ.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا} (22)

عطف على جملة { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } [ النساء : 19 ] ، والمناسبة أنّ من جملة أحوال إرثهم النساء كرها ، أن يكون ابن الميّت أولى بزوجة أبيه ، إذا لم تكن أمَّهُ ، فنهوا عن هذه الصورة نهياً خاصّاً مغلّظاً ، وتُخلّص منه إلى إحصاء المحرّمات .

و { ما نَكح } بمعنى الذي نكح مراد به الجنس ، فلذلك حسن وقع { ما } عوض ( مَن ) لأنّ ( مَن ) تكثير في الموصول المعلوم ، على أنّ البيان بقوله : { من النساء } سوّى بين ( ما ومن ) فرجحت ( مَا ) لخفّتها ، والبيان أيضاً يعيّن أن تكون ( ما ) موصولة . وعدل عن أن يقال : لا تنكحوا نساء آبائكم ليدلّ بلفظ نكح على أنّ عقد الأب على المرأة كاف في حرمة تزوّج ابنه إياها . وذكر { من النساء } بيان لكون ( ما ) موصولة .

والنهي يتعلّق بالمستقبل ، والفعل المضارع مع النهي مدلوله إيجاد الحدث في المستقبل ، وهذا المعنى يفيد النهي عن الاستمرار على نكاحهنّ إذا كان قد حصل قبل ورود النهي . والنكاح حقيقة في العقد شرعا بين الرجل والمرأة على المعاشرة والاستمتاع بالمعنى الصحيح شرعاً ، وتقدّم أنّه حقيقة في هذا المعنى دون الوطء عند تفسير قوله تعالى : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره } في سورة البقرة ( 230 ) ، فحرام على الرجل أن يتزوَّج امرأةً عقَد أبوه عليها عقد نكاح صحيح ، ولو لم يدخل بها ، وأمّا إطلاق النكاح على الوطء بعقد فقد حمل لفظَ النكاح عليه بعضُ العلماء ، وزعموا أنَّ قوله تعالى : { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره } أُطلِق فيه النكاح على الوطء لأنّها لا يُحلّها لمطلّقها ثلاثاً مجرّد العقد أي من غير حاجة إلى الاستعانة ببيان السنّة للمقصود من قوله : { تنكح } وقد بيّنت ردّ ذلك في سورة البقرة عند قوله تعالى : { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره } .

وأما الوَطْءُ الحرام من زنى فكونه من معاني النكاح في لغة العرب دعوى واهية .

وقد اختلف الفقهاء فيمن زنى بامرأة هل تحرم على ابنه أو على أبيه . فالذي ذهب إليه مالك في « الموطأ » ، والشافعي : أنّ الزنى لا ينشر الحرمة ، وهذا الذي حكاه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد في « الرسالة » ، ويُروى ذلك عن عكرمة عن ابن عباس ، وهو قول الزهري ، وربيعة ، والليث . وقال أبو حنيفة ، وابن الماجشون من أصحاب مالك : الزنى ينشر الحرمة . قال ابن الماجشون : مات مالك على هذا . وهو قول الأوزاعي والثوري . وقال ابن الموّاز : هُو مكروه ، ووقع في المدوّنة ( يفارقها ) فحمله الأكثر على الوجوب . وتأوّله بعضهم على الكراهة . وهذه المسألة جرت فيها مناظرة بين الشافعي ومحمد بن الحسن أشار إليها الجصّاص في أحكامه ، والفخرُ في مفاتيح الغيب ، وهي طويلة .

و { ما قد سلف } هو ما سبق نزولَ هذه الآية أي إلاّ نكاحاً قد سلف فتعيّن أنّ هذا النكاح صار محرَّماً . ولذلك تعيّن أن يكون الاستثناء في قوله : { إلا ما قد سلف } مؤوَّلا إذ ما قد سلف كيف يستثنى من النهي عن فعله وهو قد حصل ، فتعيّن أنّ الاستثناء يرجع إلى ما يقتضيه النهي من الإثم ، أي لا إثم عليكم فيما قد سلف . ثم ينتقل النظر إلى أنّه هل يقرّر عليه فلا يفرّق بين الزوجين اللذين تزوّجا قبل نزول الآية ، وهذا لم يقل به إلاّ بعض المفسّرين فيما نقله الفخر ، ولم أقف على أثر يُثبت قضية معيّنة فرّق فيها النبي صلى الله عليه وسلم بين رجل وزوج أبيه ممّا كان قبل نزول الآية ، ولا على تعيين قائل هذا القول ، ولعل الناس قد بادروا إلى فراق أزواج الآباء عند نزول هذه الآية .

وقد تزوّج قبل الإسلام كثير أزواجَ آبائهم : منهم عُمر بن أمية بن عبد شمس ، خلف على زوج أبيه أميّة كما تقدّم ، ومنهم صفوان بن أمية بن خلف تزوج امرأة أبيه فاختة بنت الأسود بن المطلب بن أسد ، ومنهم منظور بن ريان بن سيار ، تزوّج امرأة أبيه مُلكية بنت خارجة ، ومنهم حصن بن أبي قيس ، تزوّج بعد أبي قيس زوجه ، ولم يُرْوَ أنّ أحداً من هؤلاء أسلم وقرّر على نكاح زوج أبيه .

وجوّزوا أن يكون الاستثناء من لازم النهي وهو العقوبة أي لا عقوبة على ما قد سلف . وعندي أنّ مثل هذا ظاهر للناس فلا يحتاج للاستثناء ، ومتى يظنّ أحد المؤاخذة عن أعمال كانت في الجاهلية قبل مجيء الدين ونزول النهي .

وقيل : هو من تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه : أي إن كنتم فاعلين منه فانكحوا ما قد سلف من نساء الآباء البائدة ، كأنّه يوهم أنه يرخّص لهم بعضه ، فيجد السامع ما رخّص له متعذّراً فيتأكّد النهي كقول النابغة :

ولا عيب فيهم غيرَ أَنّ سيُوفَهم *** بهنّ فُلول من قِراع الكتائب

وقولهم ( حتّى يؤوب القارظان ) و ( حتّى يشيب الغراب ) وهذا وجه بعيد في آيات التشريع .

والظاهر أنّ قوله : { إلا ما قد سلف } قصد منه بيان صحّة ما سلف من ذلك في عهد الجاهلية ، وتعذّرَ تداركه الآن ، لموت الزوجين ، من حيث إنّه يترتّب عليه . ثبوت أنساب ، وحقوق مهور ومواريث ، وأيضاً بيان تصحيح أنساب الذين ولدوا من ذلك النكاح ، وأنّ المسلمين انتدبوا للإقلاع عن ذلك اختياراً منهم ، وقد تأوّل سائر المفسّرين قوله تعالى : { إلا ما قد سلف } بوجوه ترجع إلى التجوّز في معنى الاستثناء أو في معنى : { ما نكح } ، حَمَلَهم عليها أنّ نكاح زوج الأب لم يقرّره الإسلام بعد نزول الآية ، لأنّه قال : { إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً } أي ومثل هذا لا يقرّر لأنّه فاسد بالذات .

والمقت اسم سَمَّتْ به العرب نكاح زوج الأب فقالوا نكاح المقت أي البغض ، وسمّوا فاعل ذلك الضيزن ، وسمَّوْا الابنَ من ذلك النكاح مَقيتا .