{ 12 } { إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ }
لما ذكر تعالى أنه ولي المؤمنين ، ذكر ما يفعل بهم في الآخرة ، من دخول الجنات ، التي تجري من تحتها الأنهار ، التي تسقي تلك البساتين الزاهرة ، والأشجار الناظرة المثمرة ، لكل زوج بهيج ، وكل فاكهة لذيذة .
ولما ذكر أن الكافرين لا مولى لهم ، ذكر أنهم وُكِلُوا إلى أنفسهم ، فلم يتصفوا بصفات المروءة ، ولا الصفات الإنسانية ، بل نزلوا عنها دركات ، وصاروا كالأنعام ، التي لا عقل لها ولا فضل ، بل جل همهم ومقصدهم التمتع بلذات الدنيا وشهواتها ، فترى حركاتهم الظاهرة والباطنة دائرة حولها ، غير متعدية لها إلى ما فيه الخير والسعادة ، ولهذا كانت النار مثوى لهم ، أي : منزلا معدا ، لا يخرجون منها ، ولا يفتر عنهم من عذابها .
ثم قال [ تعالى{[26637]} { إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } أي : يوم القيامة { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ } أي : في دنياهم ، يتمتعون بها ويأكلون منها كأكل الأنعام ، خَضْما وقضما وليس لهم همة إلا في ذلك . ولهذا ثبت في الصحيح : " المؤمن يأكل في مِعيّ واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء " {[26638]} .
وقوله : إنّ الله يُدْخِلُ الّذِين آمَنُوا وعمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تحْتِها الأنهَارُ يقول تعالى ذكره : إن الله له الألوهة التي لا تنبغي لغيره ، يُدخل الذين آمنوا بالله وبرسوله بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار ، يفعل ذلك بهم تكرمة على إيمانهم به وبرسوله .
وقوله : والّذِين كَفَرُوا يَتَمَتّعُونَ وَيأْكُلُونَ كمَا تَأْكُلُ الأنْعامُ يقول جل ثناؤه : والذين جحدوا توحيد الله ، وكذّبوا رسوله صلى الله عليه وسلم يتمتعون في هذه الدنيا بحطامها ورياشها وزينتها الفانية الدارسة ، ويأكلون فيها غير مفكّرين في المعاد ، ولا معتبرين بما وضع الله لخلقه من الحجج المؤدّية لهم إلى علم توحيد الله ومعرفة صدق رسله ، فمثلهم في أكلهم ما يأكلون فيها من غير علم منهم بذلك ، وغير معرفة ، مثل الأنعام من البهائم المسخرة التي لا همة لها إلا في الاعتلاف دون غيره والنّارُ مَثْوًى لَهُمْ يقول جلّ ثناؤه : والنار نار جهنم مسكن لهم ، ومأوى ، إليها يصيرون من بعد مماتهم .
وقوله تعالى : { ويأكلون كما تأكل الأنعام } أي أكلاً مجرداً من فكرة ونظر ، فالتشبيه بالمعنى إنما وقع فيما عدا الأكل من قلة الفكر وعدم النظر ، فقوله : { كما } في موضع الحال ، وهذا كما تقول لجاهل : يعيش كما تعيش البهيمة ، فأما بمقتضى اللفظ فالجاهل والعالم والبهيمة من حيث لهم عيش فهم سواء ، ولكن معنى كلامك يعيش عديم النظر والفهم كما تعيش البهيمة . والمثوى : موضع الإقامة .
استئناف بياني جواب سؤال يخطر ببال سامع قولِه : { بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم } [ محمد : 11 ] عن حال المؤمنين في الآخرة وعن رزق الكافرين في الدنيا ، فبيّن الله أن من ولايته المؤمنين أن يعطيهم النعيم الخالد بعد النصر في الدنيا ، وأنّ ما أعطاه الكافرين في الدنيا لا عبرةَ به لأنهم مسلوبون من فهم الإيمان فحظهم من الدنيا أكل وتمتع كحظ الأنعام ، وعاقبتهم في عالم الخلود العذاب ، فقوله : { والنار مثوًى لهم } في معنى قوله في سورة آل عمران ( 196 ، 197 ) { لا يغرنك تقلُّب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد }
وهذا الاستئناف وقع اعتراضاً بين جملة { أفلم يسيروا في الأرض } [ محمد : 10 ] وجملة { وكأين من قرية } [ محمد : 13 ] الآية .
والمجرور من قوله : { كما تأكل الأنعام } في محل الحال من ضمير { يأكلون } ، أو في محل الصفة لمصدر محذوف هو مفعول مطلق ل { يأكلون } لبيان نوعه .
والتمتع : الانتفاع القليل بالمتاع ، وتقدم في قوله : { متاع قليل } في سورة آل عمران ( 197 ) ، وقوله : { ومتاع إلى حين } في سورة الأعراف ( 24 ) .
والمثوى : مكان الثواء ، والثواء : الاستقرار ، وتقدم في قوله : { قال النار مثواكم } في الأنعام ( 128 ) . وعدل عن الإضافة فقيل مثوًى لهم } بالتعليق باللام التي شأنها أن تنون في الإضافة ليفاد بالتنوين معنى التمكّن من القرار في النار مثوى ، أي مثوى قوياً لهم لأن الإخبار عن النار في هذه الآية حصل قبل مشاهدتها ، فلذلك أضيفت في قوله : { قال النار مثواكم لأنه إخبار عنها وهم يشاهدونها في المحشر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.