روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأۡكُلُونَ كَمَا تَأۡكُلُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ وَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡ} (12)

{ إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار } بيان لحكم ولايته تعالى لهم وثمرتها الأخروية { والذين كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ } أي ينتفعون بمتاع الدنيا أياماً قلائل { وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الانعام } الكاف في موضع نصب إما على الحال من ضمير المصدر كما يقول سيبويه أي يأكلونه أي الأكل مشبهاً أكل الأنعام ، وإما على أنه نعت لمصدر محذوف كما يقول أكثر المعربين أي أكلاً مثل أكل الأنعام ، والمعنى أن أكلهم مجرد من الفكر والنظر كما تقول للجاهل تعيش كما تعيش البهيمة لا تريد التشبيه في مطلق العيش ولكن في خواصه ولوازمه ، وحاصله أنهم يأكلون غافلين عن عواقبهم ومنتهى أمورهم ، وقوله تعالى : { والنار مَثْوًى لَّهُمْ } أي موضع إقامة لهم ، حال مقدر من واو { يَأْكُلُونَ } .

وجوز أن يكون استئنافاً وكان قوله تعالى : { يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ } في مقابلة قوله سبحانه : { وَعَمِلُواْ الصالحات } لما فيه من الايماء إلى أنهم عرفوا أن نعيم الدنيا خيال باطل وظل زائل ، فتركوا الشهوات وتفرغوا للصالحات ، فكان عاقبتهم النعيم المقيم في مقام كريم وهؤلاء غفلوا عن ذلك فرتعوا في دمنهم كالبهائم حتى ساقهم الخذلان إلى مقرهم من درك النيران ، وهذا ما ذكره العلامة الطيبي في بيان التقابل بين الآيتين ، وقال بعض الأجلة : في الكلام احتباك وذلك أنه ذكر الأعمال الصالحة ودخول الجنة أولاً دليلاً على حذف الأعمال الفاسدة ودخول النار ثانياً وذكر التمتع والمثوى ثانياً دليلاً على حذف التقلل والمأوى أولاً والأول أحسن وأدق ، وأسند إدخال الجنة إلى الله تعالى ولم يسلك نحو هذا المسلك في قوله تعالى : { والنار مَثْوًى لَّهُمْ } وخولف بين الجملتين فعلية واسمية للإيذان بسبق الرحمة والإعلام بمصير المؤمنين والوعد بأن عاقبتهم أن الله سبحانه يدخلهم جنات وأن الكافرين مثواهم النار وهم الآن حاضرون فيها ولا يدرون وكالبهائم يأكلون .