تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأۡكُلُونَ كَمَا تَأۡكُلُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ وَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡ} (12)

الآية 12 وقوله تعالى : { إن الله يُدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار } وبيّن ما لأولئك الذين اختاروا من الكفر به والتكذيب لرسله في العاقبة حين{[19420]} قال : { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم } أي مأوى لهم بما اختاروا ، والله أعلم .

وذلك أن أهل الإيمان والتوحيد نظروا في جميع أحوالهم وأمورهم إلى ما فيه أمر الله تعالى وما يُعقِب لهم نفعا في العاقبة ، لم ينظروا إلى ما فيه قضاء شهواتهم ، بل اختاروا أمر الله على جميع ما ذكرنا .

وأولئك الكفرة لم ينظروا إلى ما فيه أمر الله ولا [ ما ]{[19421]} يوجب لهم في العاقبة من النّفع ، بل اختاروا شهواتهم ومُناهم وما فيه هواهم على ما فيه أمر الله ونهيُه .

فجعل للمؤمنين في الآخرة قضاء شهواتهم التي تركوا قضاءها في الدنيا ، وكفّوا أنفسهم عن مناها ، فكان ذلك في الجنة والبساتين التي وعد لهم في الآخرة .

وجعل لأولئك الكفرة في الآخرة مكان ما قضوا في الدنيا من شهواتهم وإعطاء أنفسهم مُناها النار وما ينغّصهم ما أعطوا أنفسهم في الدنيا .

ثم قوله تعالى : { والذين كفروا يتمتّعون ويأكلون كما تأكل الأنعام } يحتمل تشبيه أولئك الكفرة بالأنعام بوجهين :

أحدهما : يُخبر أنهم يأكلون ، وهمّهم في الأكل ، ليس إلا الشبع وامتلاء البطن وقضاء الشهوة ، لا ينظرون إلى ما أمر الله به ، ونهاهم عنه ، كالأنعام التي ذكر همّها ؛ ليس في الأكل إلا الشبع وامتلاء البطن وقضاء الشهوة ، والله أعلم .

والثاني : يُخبر عنهم أنهم لا ينظرون في أكلهم وشُربهم إلى عاقبة ولا إلى وقت ثان ، بل نظرهم إلى الحال التي هم فيها كالأنعام التي ذكر أنها تأكل ، ولا تنظر ، ولا تدّخر شيئا لوقت ثان ، ولا تترك شيئا ما دامت تشتهي .

فعلى ذلك أولئك الكفرة ، والله أعلم .


[19420]:في الأصل وم: حيث.
[19421]:ساقطة من الأصل وم.