اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأۡكُلُونَ كَمَا تَأۡكُلُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ وَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡ} (12)

ثم ذكر ما للفريقين فقال : { إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } لما بين حال المؤمنين والكافرين في الدنيا بين حالهم في الآخرة وقال : إنه يدخل المؤمن الجنة ، والكافر النار . وقد تقدم أن مِنْ في قوله : «مِنْ تَحْتِهَا » تحتمل أن تكون صلة معناه تجري تحتها ، ويحتمل أن يكون المراد ( أن ){[51288]} ماءها منها لا يجري إليها من موضع آخر ، يقال : هذا نهر مَنْبَعُهُ مِنْ أَيْنَ ؟ يقال : من عين كذا من تحت جبل كذا{[51289]} .

قوله : { والذين كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام } أي ليس لهم هِمة إلا بطونهم وفروجهم وهم لاهون عما في غد . قيل : المؤمن في الدنيا يتزود ، والكافر يتزين ، والكافر يتمتع{[51290]} .

قوله : { كَمَا تَأْكُلُ الأنعام } إما حال من ضمير المصدر ، أي يأكلون الأكل مشبهاً أكل الأنعام وإما نعت لمصدر أي أكلاً مثل أكل الأنعام .

قوله : { والنار مَثْوًى لَّهُمْ } يجوز أن تكون هذه الجملة استئنافاً . ويجوز أن تكون حالاً ، ولكنها مقدرة أي يأكلون مقدار ثَوْبتهم في النار . وقال في حق المؤمن : { إِنَّ الله يُدْخِلُ } بصيغة الوعد ، وقال في حق الكافر : { النار مثوى لهم } بصيغة تنبئ عن الاستحقاق ، لأن الإحسان لا يستدعي استحقاقاً ، فالمحسن إلى من يوجد منه ما يوجب الإحسان كريم . والمعذب من غير استحقاق ظالم{[51291]} .

قوله : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ } يريد أهل ، ولذلك راعى هذا المقدر في قوله : { أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } بعدما راعى المضاف في قوله : { هِيَ أَشَدُّ } والجملة من هي ابتداء صفة لقرية . وقال ابن عطية : نسب الإخراج للقرية حملاً على اللفظ وقال : «أهلكناهم » حملاً على المعنى{[51292]} . قال أبو حيان : وظاهر هذا الكلام لا يَصِحّ لأن الضمير في «أهلكناهم » ليس عائداً على المضاف إلى القرية التي أسند إليه الإخراج بل على{[51293]} أهل القرية في قوله : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ } فإن كان أراد بقوله : «حملاً على المعنى » ، أي معنى القرية في قوله : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ } فهو صحيح ، لكن ظاهر قوله : حملاً على اللفظ ، وحملاً على المعنى أن يكون في مدلول واحد . وكان على هذا يبقى كأين مفلتاً غير محدَّث عنه بشيء إلا أن يتخيَّل أن { هِيَ أَشَدُّ } خبر عنه والظاهر أنه صفة لقرية{[51294]} . قال شهاب الدين : وابنُ عطية إنما أراد لفظ القرية من حيث الجملة لا من حيث التفسير{[51295]} .


[51288]:سقط من (ب).
[51289]:انظر كل هذا في الرازي 28/50 و 51.
[51290]:القرطبي 16/234.
[51291]:الرازي السابق.
[51292]:البحر المحيط 8/77 و78.
[51293]:في البحر: إلى.
[51294]:بالمعنى من المرجع السابق.
[51295]:الدر المصون للعلامة شهاب الدين السمين الحلبي مخطوط بمكتبة الإسكندرية لوحة رقم 100.