ثم قال تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ } أي : كما لا يستوي الأعمى والبصير ، كذلك لا يستوي من آمن بالله وعمل الصالحات ، ومن كان مستكبرًا على عبادة ربه ، مقدمًا على معاصيه ، ساعيًا في مساخطه ، { قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ } أي : تذكركم قليل{[771]} وإلا ، فلو تذكرتم مراتب الأمور ، ومنازل الخير والشر ، والفرق بين الأبرار والفجار ، وكانت لكم همة عليه ، لآثرتم النافع على الضار ، والهدى على الضلال ، والسعادة الدائمة ، على الدنيا الفانية .
ثم قال : { وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ } أي كما لا يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئا ، والبصير الذي يرى ما انتهى إليه بصره ، بل بينهما فرق عظيم ، كذلك لا يستوي المؤمنون الأبرار والكفرة الفجار ، { قَلِيلا مَا تَتَذَكَّرُونَ } أي : ما أقل ما يتذكر كثير من الناس .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَىَ وَالْبَصِيرُ وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَلاَ الْمُسِيَءُ قَلِيلاً مّا تَتَذَكّرُونَ } .
وما يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئا ، وهو مثل الكافر الذي لا يتأمل حجج الله بعينيه ، فيتدبرها ويعتبر بها ، فيعلم وحدانيته وقُدرته على خلق ما شاء من شيء ، ويؤمن به ويصدّق . والبصير الذي يرى بعينيه ما شخص لهما ويبصره ، وذلك مَثل للمؤمن الذي يرى بعينيه حجج الله ، فيتفكّر فيها ويتعظ ، ويعلم ما دلت عليه من توحيد صانعه ، وعظيم سلطانه وقُدرته على خلق ما يشاء يقول جلّ ثناؤه : كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن . والّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَالحاتِ يقول جلّ ثناؤه : ولا يستوي أيضا كذلك المؤمنون بالله ورسوله ، المطيعون لربهم ، ولا المسيء ، وهو الكافر بربه ، العاصي له ، المخالف أمره قَلِيلاً ما تَتَذَكّرُونَ يقول جلّ ثناؤه : قليلاً ما تتذكرون أيها الناس حجج الله ، فتعتبرون وتتعظون يقول : لو تذكرتم آياته واعتبرتم ، لعرفتم خطأ ما أنتم عليه مقيمون من إنكاركم قدرة الله على إحيائه من فني من خلقه من بعد الفناء ، وإعادتهم لحياتهم من بعد وفاتهم ، وعلمتم قبح شرككم من تشركون في عبادة ربكم .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : تَتَذَكّرُونَ فقرأت ذلك عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة : «يَتَذَكّرُونَ » بالياء على وجه الخبر ، وقرأته عامة قرّاء الكوفة : تَتَذّكُرُونَ بالتاء على وجه الخطاب ، والقول في ذلك أن القراءة بهما صواب .
قوله تعالى : { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس } توبيخ لهؤلاء الكفرة المتكبرين ، كأنه قال : مخلوقات الله أكبر وأجل قدراً من خلق البشر ، فما لأحد منهم يتكبر على خالقه ، ويحتمل أن يكون الكلام في معنى البعث والإعادة ، فأعلم أن الذي خلق السماوات والأرض قوي قادر على خلق الناس تارة أخرى . والخلق على هذا التأويل مصدر مضاف إلى المفعول . وقال النقاش : المعنى مما يخلق الناس ، إذ هم في الحقيقة لا يخلقون شيئاً ، فالخلق في قوله : { من خلق الناس } مضاف إلى الفاعل على هذا التأويل .
وقوله : { ولكن أكثر الناس } يقتضي أن الأقل منهم يعلم ذلك ، ولذلك مثل الأكثر الجاهل : ب { الأعمى } ، والأقل العالم : ب { البصير } ، وجعل : { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } يعادلهم قوله : { ولا المسيء } وهو اسم جنس يعم المسيئين ، وأخبر تعالى أن هؤلاء لا يستوون ، فكذلك الأكثر الجهلاء من الناس لا يستوون مع الأقل الذين يعلمون .
وقرأ أكثر القراء والأعرج وأبو جعفر وشيبة والحسن : «يتذكرون » بالياء على الكناية عن الغائب . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وقتادة وطلحة وعيسى وأبو عبد الرحمن : «تتذكرون » بالتاء من فوق على المخاطبة . والمعنى : قل لهم يا محمد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.