قال الله تعالى فاصلا بين الفريقين { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا } أي : يخلطوا { إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } الأمن من المخاوفِ والعذاب والشقاء ، والهدايةُ إلى الصراط المستقيم ، فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقا ، لا بشرك ، ولا بمعاص ، حصل لهم الأمن التام ، والهداية التامة . وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده ، ولكنهم يعملون السيئات ، حصل لهم أصل الهداية ، وأصل الأمن ، وإن لم يحصل لهم كمالها . ومفهوم الآية الكريمة ، أن الذين لم يحصل لهم الأمران ، لم يحصل لهم هداية ، ولا أمن ، بل حظهم الضلال والشقاء .
قال الله تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } أي : هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك ، له ، ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم القيامة ، المهتدون في الدنيا والآخرة .
قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا ابن أبي عَدِيّ ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لما نزلت { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قال أصحابه : وأينا لم يظلم نفسه ؟ فنزلت : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ]{[10928]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عَلْقَمَة ، عن عبد الله قال : لما نزلت هذه الآية : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شق ذلك على الناس{[10929]} وقالوا : يا رسول الله ، فأينا لا يظلم نفسه ؟{[10930]} قال : " إنه ليس الذي تعنون ! ألم تسمعوا{[10931]} ما قال العبد الصالح : { يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } إنما هو الشرك " {[10932]}
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع وابن إدريس ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لما نزلت : { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : وأينا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس كما تظنون ، إنما قال [ لقمان ]{[10933]} لابنه : { يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }{[10934]}
وحدثنا عمر بن شَبَّةَ النمري ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قال : " بشرك " .
قال : ورُوي عن أبي بكر الصديق ، وعمر ، وأُبيّ بن كعب ، وسلمان ، وحذيفة ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعمرو بن شرحبيل ، وأبي عبد الرحمن السُّلَمِي ، ومجاهد ، وعِكْرِمة ، والنَّخَعِي ، والضحاك ، وقتادة ، والسُّدِّي نحو ذلك .
وقال ابن مَرْدُوَيه : حدثنا الشافعي ، حدثنا محمد بن شَدَّاد المِسْمَعِيّ ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لما نزلت : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قيل لي : أنت منهم " {[10935]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن يوسف ، حدثنا أبو جَناب ، عن زاذان ، عن جرير بن عبد الله قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلما برزنا من المدينة ، إذا راكب يوضع نحونا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كأن هذا الراكب إياكم يريد " . فانتهى إلينا الرجل ، فسلم فرددنا عليه{[10936]} فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " من أين أقبلت ؟ " قال : من أهلي وولدي وعشيرتي . قال : " فأين تريد ؟ " ، قال : أريدُ رسول الله . قال : " فقد أصبته " . قال : يا رسول الله ، علمني ما الإيمان ؟ قال : " تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت " . قال : قد أقررت . قال : ثم إن بعيره دخلت يده في جحر جُرْذَان ، فهوى بعيره وهوى الرجل ، فوقع على هامته فمات ، فقال النبي{[10937]} صلى الله عليه وسلم : " علي بالرجل " . فوثب إليه عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان فأقعداه ، فقالا يا رسول الله ، قبض الرجل ! قال : فأعرض عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما رأيتما إعراضي عن الرجل ، فإني رأيت ملكين يدسان في فيه من ثمار الجنة ، فعلمت أنه مات جائعا " ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا من الذين قال الله ، عَزَّ وجل : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ }{[10938]} ثم قال : " دونكم أخاكم " . قال : فاحتملناه إلى الماء فغسلناه وحنطناه وكفناه ، وحملناه إلى القبر ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس على شَفِير القبر فقال : " الحدوا ولا تشقوا ، فإن اللحد لنا والشق لغيرنا " {[10939]}
ثم رواه أحمد عن أسود بن عامر ، عن عبد الحميد بن جعفر الفراء ، عن ثابت ، عن زاذان ، عن جرير بن عبد الله ، فذكر نحوه ، وقال فيه : " هذا ممن عَمل قليلا وأجر كثيرًا " {[10940]}
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يوسف بن موسى القطان ، حدثنا مِهْران بن أبي عمر ، حدثنا علي بن عبد الأعلى{[10941]} عن أبيه ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير{[10942]} ساره ، إذ عرض له أعرابي فقال : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ، لقد خرجت من بلادي وتلادي ومالي لأهتدي بهداك ، وآخذ من قولك ، وما بلغتك حتى ما لي طعام إلا من خَضِر الأرض ، فاعْرِضْ عَلَيّ . فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقبل فازدحمنا حوله ، فدخل خف بَكْره في بيت جُرْذَان ، فتردى الأعرابي ، فانكسرت عنقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق والذي بعثني بالحق ، لقد خرج من بلاده وتلاده وماله ليهتدي بهداي ويأخذ من قولي ، وما بلغني حتى ما له طعام إلا من خضر الأرض ، أسمعتم بالذي عمل قليلا وأجر كثيرا هذا منهم ! أسمعتم بالذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ؟ فإن هذا منهم " {[10943]} [ وروى ابن مَرْدُوَيه من حديث محمد ابن معلى - وكان نزل الري - حدثنا زياد بن خيثمة عن أبي داود عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أعطي فشكر ومنع فصبر وظلم فاستغفر وظلم فغفر " وسكت ، قالوا : يا رسول الله ما له ؟ قال " : { أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } ]{[10944]}
القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوَاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلََئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مّهْتَدُونَ } . .
اختلف أهل التأويل في الذي أخبر تعالى ذكره عنه أنه قال هذا القول ، أعني : الّذِينَ آمَنُوا وَلمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ . . . الاَية . فقال بعضهم : هذا فصل القضاء من الله بين إبراهيم خليله عليه السلام وبين من حاجّه من قومه من أهل الشرك بالله ، إذ قال لهم إبراهيم : وكَيْفَ أخافُ ما أشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أنّكُمْ أشْرَكْتُمْ باللّهِ ما لَمْ يُنَزّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطانا فَأيّ الفَرِيقَيْنِ أحَق بالأمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ؟ فقال الله تعالى فاصلاً بينه وبينهم : الذين صدّقوا الله ، وأخلصوا له العبادة ، ولم يَخْلِطوا عبادتهم إياه وتصديقهم له بظلم ، يعني : بشرك ، ولم يشركوا في عبادته شيئا ، ثم جعلوا عبادتهم لله خالصا أحقّ بالأمن من عقابه مكروه عبادته من الذين يشركون في عبادتهم إياه الأوثان والأصنام ، فإنهم الخائفون من عقابه مكروه عبادتهم أما في عاجل الدنيا فإنهم وجلون من حلول سُخْط الله بهم ، وأما في الاَخرة فإنهم الموقنون بأليم عذاب الله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، قال : حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : يقول الله تعالى ذكره : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ : أي الذين أخلصوا كإخلاص إبراهيم صلى الله عليه وسلم لعبادة الله وتوحيده . ولم يَلْبِسُوا إيمانَهُمْ بظُلْمٍ أي بشرك ، أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ الأمن من العذاب والهدى في الحجة بالمعرفة والاستقامة يقول الله تعالى : وَتِلْكَ حُجّتُنا آتَيْناها إبْرَاهِيمَ على قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إنّ رَبّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا بن وهب ، قال : قال بن زيد ، في قوله : فأيّ الفَرِيقَيْنِ أحَق بالأَمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قال : فقال الله وقضى بينهم : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال : بشرك ، قال : أولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وهم مُهْتَدُونَ فأما الذنوب فليس يبرى منها أحد .
وقال آخرون : هذا جواب من قوم إبراهيم صلى الله عليه وسلم لإبراهيم حين قال لهم : أيّ الفريقين أحقّ بالأمن ؟ فقالوا له : الذين آمنوا بالله فوحدوه أحقّ بالأمن إذا لم يلبسوا إيمانهم بظلم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : فأيّ الفَرِيقَيْنِ أحَقّ بالأَمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أمن يعبد ربا واحدا أم من يعبد أربابا كثيرة ؟ يقول قومه : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ بعبادة الأوثان ، وهي حجة إبراهيم أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنَ وَهُمْ مُهْتَدُونَ .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : هذا خبر من الله تعالى عن أول الفريقين بالأمن ، وفصل قضاء منه بين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وبين قومه ، وذلك أن ذلك لو كان من قول قوم إبراهيم الذين كانوا يعبدون الأوثان ويشركونها في عبادة الله ، لكانوا قد أقرّوا بالتوحيد واتبعوا إبراهيم على ما كانوا يخالفونه فيه من التوحيد ، ولكنه كما ذكرت من تأويله بدءا .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله تعالى بقوله : ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ فقال بعضهم : بشرك . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لما نزلت هذه الاَية : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ شقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا تَرَوْنَ إلى قَوْلِ لُقْمَانَ : إنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ؟ » . قال أبو كريب ، قال ابن إدريس : حدثنيه أولاً أبي عن أبان بن تغلب عن الأعمش ، ثم سمعته قيل له : من الأعمش ؟ قال : نعم .
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي قال : ثني عمي يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : لما نزلت : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ شقّ ذلك على المسلمين ، فقالوا : يا رسول الله ما منا أحد إلا وهو يظلم نفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ بِذَلِكَ ، ألا تَسْمَعُونَ إلى قَوْلِ لُقْمَانَ لابْنِهِ : إنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ؟ » .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : لما نزلت هذه الاَية : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ شقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : أينا لم يظلم نفسه ؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَيْسَ كَمَا تَظُنّونَ ، وإنّمَا هُوَ كَمَا قالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ : لا تُشْرِكْ باللّهِ إنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ » .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : لما نزلت هذه الاَية : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ شقّ ذلك على الناس ، فقالوا يا رسول الله ، وأينا لا يظلم نفسه ؟ فقال : «إنّهُ لَيْسَ كَمَا تَعْنُونَ ، أَلَمْ تَسْمَعُوا ما قالَ العَبْدُ الصّالِحُ : يا بُنَيّ لا تُشْرِكْ باللّهِ إنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ؟ إنما هُوَ الشّرْك » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، في قوله : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال : بشرك .
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا فضيل ، عن منصور ، عن إبراهيم ، في قوله : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال : بشرك .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : لما نزلت هذه الاَية : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ شقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لَيْسَ بِذَلِكَ ، ألَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ لُقْمَانَ : إنّ الشّرْكَ لِظُلْمٌ عَظِيمٌ ؟ » .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير وابن إدريس ، عن الشيباني ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن الأسود بن هلال ، عن أبي بكر الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال : بشرك .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا قبيصة ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي بكر : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال : بشرك .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع ، عن سعيد بن عبيد الطائي ، عن أبي الأشعر العبدي ، عن أبيه ، أن زيد بن صُوْحان سأل سلمان ، فقال : يا أبا عبد الله آية من كتاب الله قد بلغت مني كلّ مبلغ : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ؟ فقال سلمان : هو الشرك بالله تعالى . فقال زيد : ما يسرني بها أنى لم أسمعها منك وأن لي مثل كل شيء أمسيت أملكه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سعيد بن عبيد ، عن أبي الأشعر ، عن أبيه ، عن سلمان ، قال : بشرك .
حدثنا ابن بشار وابن وكيع ، قالا : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا نُسير بن ذُعْلوق ، عن درسب ، عن حذيفة ، في قوله : ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال : بشرك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفيّ ، عن رجل ، عن عيسى ، عن حذيفة ، في قوله : وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال : بشرك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عارم أبو النعمان ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير وغيره ، أن ابن عباس كان يقول : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال : بشرك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ يقول : بكفر .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال ثني أبي ، عن أبيه ، عن بن عباس : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ يقول : لم يلبسوا إيمانهم ، وقال إنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .
حدثنا نصر بن عليّ الجهضمي ، قال : ثني أبي ، بن قال : حدثنا جرير بن حازم ، عن عليّ بن زيد ، عن المسيب : أن عمر بن الخطاب قرأ : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ فلما قرأها فزع ، فأتى أبيّ بن كعب ، فقال : يا أبا المنذر قرأت من آية من كتاب الله من يَسلم ؟ فقال : ما هي ؟ فقرأ عليه فأينا لا يظلم نفسه ؟ فقال : عفر الله لك ، أما سمعت الله تعالى يقوله : إنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ؟ إنما هو : ولم يلبسوا إيمانهم بشرك .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة ، عن عليّ بن زيد بن جدعان ، يوسف بن مهران ، عن ابن عباس : أن عمر دخل منزله ، فقرأ في المصحف فمرّ بهذه الاَية : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ فأتى أُبّيّا فأخبره ، فقال : يا أمير المؤمنين إنما هو الشرك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن عليّ بن زيد ، عن يوسف بن مهران عن مهران : أن عمر بن الخطاب كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأه ، فدخل ذات يوم فقرأ ، فأتى على هذه الاَية : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُلَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ فاشتغل وأخذ رداءه ، ثم أتى أبيّ بن كعب ، فقال : يا أبا المنذر فتلا هذه الاَية : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ وقد ترى أنا نظلم ونفعل ونفعل ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إن هذا ليس بذاك ، يقول الله تعالى : إنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ إنما ذلك الشرك .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا بن فضيل ، عن مطرف ، عن أبي عثمان عمرو بن سالم ، قال : قرأ عمر بن الخطاب هذه الاَية : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ فقال عمر : قد أفلح من لم يَلْبس إيمانه بظلم فقال أبيّ : يا أمير المؤمنين : ذاك الشرك .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أسباط ، عن محمد بن مطرف ، عن بن سالم ، قال : عمر بن الخطاب فذكره نحوه .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، في قوله : آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال : بشرك .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حسين ، عن عليّ ، عن زائدة ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن إبراهيم : ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال : بشرك .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ : أي بشرك .
حدثنا بن وكيع ، قال : حدثنا حميد ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال : بعبادة الأوثان .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال : بشرك .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال : بشرك .
حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الأعمش ، أن بن مسعود قال لما نزلت : ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ كبر ذلك على المسلمين ، فقالوا : يا رسول الله ، ما منا أحد إلا وهو يظلم نفسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أما سَمِعْتُمْ قَوْلَ لُقْمَان : إنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ » .
حدثنا بن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد ، في قوله : ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال : عبادة الأوثان .
حدثنا بن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، عن مسعر ، عن أبي حصين ، عن أبي عبد الرحمن ، قال : بشرك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : قال بن إسحاق : ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال بشرك .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولم يخلطوا إيمانهم بشيء من معاني الظلم . وذلك فِعْلُ ما نهى الله عن فعله أو ترك ما أمر الله بفعله وقالوا : الاَية على العموم ، لأن الله لم يخصّ به معنى من معاني الظلم . قالوا : فإن قال لنا قائل : أفلا أمن في الاَخرة إلا لمن لم يعص الله في صغيرة ولا كبيرة ، وإلا لمن لقى الله ولا ذنب له ؟ قلنا : إن الله عنى بهذه الاَية خاصا من خلقه دون الجميع منهم والذي عنى بها وأراده بها خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، فأما غيره فإنه إذا لقي الله لا يشرك به شيئا فهو في مشيئته إذا كان قد أتى بعض معاصيه التي لا تبلغ أن تكون كفرا ، فإن شاء لم يؤمنه من عذابه ، وإن شاء تفضل عليه فعفا عنه . قالوا : وذلك قول جماعة من السلف وإن كانوا مختلفين في المعنى بالاَية ، فقال بعضهم : عنى بها إبراهيم . وقال بعضهم : عنى بها المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال : عَنَى بهذه الاَية : إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم :
حدثنا بن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان وحميد بن عبد الرحمن ، عن قيس بن الربيع ، عن زياد بن علاقة ، عن زياد بن حرملة ، عن عليّ ، قال : هذه الاَية لإبراهيم صلى الله عليه وسلم خاصة ، ليس لهذه الأمة منها شيء .
وذكر من قال : عُنِيَ بها المهاجرون خاصة :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان وحميد بن عبد الرحمن ، عن قيس بن الربيع ، عن سماك ، عن عكرمة : الّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قال : هي لمن هاجر إلى المدينة .
وأولى القولين بالصحة في ذلك ، ما صح في ذلك ، ما صحّ به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الخبر الذي رواه بن مسعود عنه أنه قال : «الظّلْمُ الّذِي ذَكَرَهُ اللّهُ تَعَالى فِي هَذَا المَوْضِعِ هُوَ الشّرْكُ » .
وأما قوله : أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ فإنه يعني : هؤلاء الذين آمنوا ولم يخلطوا إيمانهم بشرك ، لهم الأمن يوم القيامة من عذاب الله ، وَهُمْ مُهْتَدُونَ يقول : وهم المصيبون سبيل الرشاد والسالكون طريق النجاة .
وقوله تعالى : { الذين آمنوا } الآية ، { الذين } رفع بالابتداء ، و { يلبسوا } معناه يخلطوا ، و «الظلم » في هذه الآية الشرك ، تظاهرت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن جماعة من الصحابة أنه لما نزلت هذه الآية أشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أيّنا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما ذلك كما قال لقمان : إن الشرك لظلم عظيم »{[4994]} وروي أن عمر بن الخطاب قرأ في المصحف فلما أتى عليها عظمت عليه ، فلبس رداءه ومر إلى أبي بن كعب ، فقال : يا أبا المنذر وسأله عنها ، فقال له إنه الشرك يا أمير المؤمنين ، فسري عن عمر{[4995]} ، وجرى لزيد بن صوحان{[4996]} مع سلمان نحو مما جرى لعمر مع أبي بن كعب رضي الله عنهم ، وقرأ مجاهد ، «ولم يلبسوا إيمانهم بشرك » وقرأ عكرمة «يُلبسوا » بضم الياء ، و { الأمن } رفع بالابتداء وخبره في المجرور والجملة خبر { أولئك } ، { وهم مهتدون } أي راشدون ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : المراد بهذه الآية إبراهيم خاصة ، وقال عكرمة : نزلت في مهاجري أصحاب محمد عليه السلام خاصة ، وقالت فرقة : هي من قول إبراهيم لقومه فهي من الحجة التي أوتيها ، وقال ابن جريج هي من قول قوم إبراهيم ويجيء هذا من الحجة أيضاً أن أقروا بالحق وهم قد ظلموا في الإشراك ، وقال ابن إسحاق وابن زيد وغيرهما : بل ذلك قول من الله عز وجل ابتداء حكم فصل عام لوقت محاجة إبراهيم وغيره ، ولكل مؤمن تقدم أو تأخر .
قال القاضي أبو محمد : وهذا هو البين الفصيح الذي يرتبط به معنى الآية ويحسن رصفها .