المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{هَٰذَا فَوۡجٞ مُّقۡتَحِمٞ مَّعَكُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِهِمۡۚ إِنَّهُمۡ صَالُواْ ٱلنَّارِ} (59)

يقال للطاغين - وهم رؤساء المشركين - : هذا جمع كثير داخلون النار معكم في زحمة وشدة ، وهمَ أتباعكم ، فيقول هؤلاء الرؤساء : لا مرحباً بهم ، إنهم داخلون النار يقاسون مرها ، ويكتوون بعذابها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هَٰذَا فَوۡجٞ مُّقۡتَحِمٞ مَّعَكُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِهِمۡۚ إِنَّهُمۡ صَالُواْ ٱلنَّارِ} (59)

وعند تواردهم على النار يشتم بعضهم بعضا ، ويقول بعضهم لبعض : { هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ } النار { لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هَٰذَا فَوۡجٞ مُّقۡتَحِمٞ مَّعَكُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِهِمۡۚ إِنَّهُمۡ صَالُواْ ٱلنَّارِ} (59)

ثم يتم المشهد بمنظر ثالث حي شاخص بما فيه من حوار : فها هي ذي جماعة من أولئك الطاغين من أهل جهنم . كانت في الدنيا متوادة متحابة . فهي اليوم متناكرة متنابذة كان بعضهم يملي لبعض في الضلال . وكان بعضهم يتعالى على المؤمنين ، ويهزأ من دعوتهم ودعواهم في النعيم . كما يصنع الملأ من قريش وهم يقولون :

( أأنزل عليه الذكر من بيننا ? ) . .

ها هم أولاء يقتحمون النار فوجاً بعد فوج وها هم أولاء يقول بعضهم لبعض : ( هذا فوج مقتحم معكم ) . .

فماذا يكون الجواب ? يكون الجواب في إندفاع وحنق : ( لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار ) !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هَٰذَا فَوۡجٞ مُّقۡتَحِمٞ مَّعَكُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِهِمۡۚ إِنَّهُمۡ صَالُواْ ٱلنَّارِ} (59)

ابتداء كلام حكي به تخاصم المشركين في النار فيما بينهم إذا دخلوها كما دل عليه قوله تعالى في آخره : { إن ذلك لحق تخاصم أهل النار } [ ص : 64 ] ، وبه فسر قتادة وابن زيد ، وجريانه بينهم ليزدادوا مقتاً بأن يضاف إلى عذابهم الجسماني عذاب أنفسهم برجوع بعضهم على بعض بالتنديم وسوء المعاملة .

وأسلوب الكلام يقتضي متكلماً صادراً منه ، وأسلوبُ المقاولة يقتضي أن المتكلم به هم الطاغون الذين لهم شر المآب لأنهم أساس هذه القضية . فالتقدير : يقولون ، أي الطاغون بعضهم لبعض : هذا فوج مقتحم معكم ، أي يقولون مشيرين إلى فوج من أهل النار أُقحم فيهم لَيسوا من أكفائهم ولا من طبقتهم وهم فوج الأتباع من المشركين الذين اتبعوا الطاغين في الحياة الدنيا ، وذلك ما دل عليه قوله : { أنتم قدمتموه لنا } [ ص : 60 ] أي أنتم سبب إحضار هذا العذاب لنا . وهو الموافق لمعنى نظائره في القرآن كقوله تعالى : { كلما دخلت أمة لعنت أختها } [ الأعراف : 38 ] إلى قوله : { بما كنتم تكسبون } في سورة [ الأعراف : 39 ] ، وقوله : { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا } في سورة [ البقرة : 166 ] ، وقوله : { وأَقْبَلَ بَعْضُهُم على بَعْضضٍ يَتَسَآءَلُونَ } الآيات من سورة { الصافات : 27 ] . وأوضحُ من ذلك كله قوله تعالى في آخر هذه الآية { إنَّ ذلك لحقٌّ تخاصم أهللِ النَّارِ } [ ص : 64 ] .

فجملة القول المحذوف في موضع الحال من الطّاغين . وجملة { هذا فوجٌ } إلى آخرها مقول القول المحذوف .

والفوج : الجماعة العظيمة من الناس ، وتقدم في قوله : { ويوم نحشر من كل أمة فوجاً } في سورة [ النمل : 83 ] .

والاقتحام : الدخول في الناس ، و ( مع ) مؤذنة بأن المتكلمين متبوعون ، وأن الفوج المقتحم أتباع لهم ، فأدخلوا فيهم مدخل التابع مع المتبوع بعلامات تشعر بذلك .

وجملة : { لا مرحباً بهم } معترضة مستأنفة لإِنشاء ذم الفوج . و { لاَ مَرْحَباً } نفيٌ لكلمةٍ يقولها المزور لزائره وهي إنشاء دعاء الوافد . و { مرحباً } مصدر بوزن المفعل ، وهو الرُّحب بضم الراء وهو منصوب بفعل محذوف دل عليه معنى الرحب ، أي أتيت رحباً ، أي مكاناً ذا رحب ، فإذا أرادوا كراهية الوافد والدعاء عليه قالوا : لا مرحباً به ، كأنهم أرادوا النفي بمجموع الكلمة :

لا مرحباً بِغَدٍ ولا أهلاً به *** إن كان تفريق الأحبة في غدِ

وذلك كما يقولون في المدح : حبّذا ، فإذا أرادوا ذمّاً قالوا : لا حبّذا . وقد جمعهما قول كنزة أمّ شملة المنقري تهجو فيه صاحبة ذي الرمة :

ألا حبّذا أهل الملا غير أنه *** إذا ذكرت ميَّ فلا حبّذا هيا

ومعنى الرحب في هذا كله : السعة المجازية ، وهي الفرح ولقاء المرغوب في ذلك المكان بقرينة أن نفس السعة لا تفيد الزائد ، وإنما قالوا ذلك لأنهم كرهوا أن يكونوا هم وأتباعهم في مكان واحد جرياً على خلق جاهليتهم من الكبرياء واحتقار الضعفاء .

وجملة { إنهم صَالُوا النَّارِ } خبر ثان عن اسم الإِشارة ، والخبر مستعمل في التضجّر منهم ، أي أنهم مضايقوننا في مضيق النار كما أومأ إليه قولهم : { مقتحِم معكم لا مرحباً بهم } .