{ 41-44 } { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا * قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا * تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }
يخبر تعالى أنه صرف لعباده في هذا القرآن أي : نوع الأحكام ووضحها وأكثر من الأدلة والبراهين على ما دعا إليه ، ووعظ وذكر لأجل أن يتذكروا ما ينفعهم فيسلكوه وما يضرهم فيدعوه .
ولكن أبى أكثر الناس إلا نفورا عن آيات الله لبغضهم للحق ومحبتهم ما كانوا عليه من الباطل حتى تعصبوا لباطلهم ولم يعيروا آيات الله لهم سمعا ولا ألقوا لها بالا .
ومن أعظم ما صرف فيه الآيات والأدلة التوحيد الذي هو أصل الأصول ، فأمر به ونهى عن ضده وأقام عليه من الحجج العقلية والنقلية شيئا كثيرا بحيث من أصغى إلى بعضها لا تدع في قلبه شكا ولا ريبا .
( ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا ، وما يزيدهم إلا نفورا ) . .
فقد جاء القرآن بالتوحيد ، وسلك إلى تقرير هذه العقيدة وإيضاحها طرقا شتى ، وأساليب متنوعة ، ووسائل متعددة ( ليذكروا ) فالتوحيد لا يحتاج إلى أكثر من التذكر والرجوع إلى الفطرة ومنطقها ، وإلى الآيات الكونية ودلالتها ؛ ولكنهم يزيدون نفورا كلما سمعوا هذا القرآن . نفورا من العقيدة التي جاء بها ، ونفورا من القرآن ذاته خيفة أن يغلبهم على عقائدهم الباطلة التي يستمسكون بها . عقائد الشرك والوهم والترهات .
يقول تعالى : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا{[17519]} فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا{[17520]} } أي : صرفنا فيه من الوعيد لعلهم يذكرون ما فيه من الحجج والبينات والمواعظ ، فينزجروا{[17521]} عما هم فيه من الشرك والظلم والإفك ، { وَمَا يَزِيدُهُمْ } أي : الظالمين منهم { إِلا نُفُورًا } أي : عن الحق ، وبعدًا منه .
قرأ الجمهور «صرّفنا » بتشديد الراء على معنى صرّفنا فيه الحكم والمواعظ ، وقرأ الحسن «صرَفنا » بتخفيف الراء على معنى صرَفنا فيه الناس إلى الهدى بالدعاء إلى الله ، وقال بعض من شدد الراء : إن قوله { في } زائد ، والتقدير ولقد صرفنا هذا القرآن ، وهذا ضعيف ، وقرأ الجمهور «ليذَّكَّروا » وقرأ حمزة والكسائي «ليذْكُروا » بسكون الذال وضم الكاف ، وهي قراءة طلحه ويحيى والأعمش ، وما في ضمن الآية من ترج وطماعية فهو في حق البشر وبحسب ظنهم فيمن يفعل الله معه هذا ، و «النفور » عبارة عن شدة الإعراض تشبيهاً بنفور الدابة ، وهو في هذه الآية مصدر لا غير ، وروي أن في الإنجيل في معنى هذه الآية : يا بني إسرائيل شوقناكم فلم تشتاقوا ونحنا لكم فلم تبكوا .
لما ذكر فظاعة قولهم بأن الملائكة بنات الله أعقب ذلك بأن في القرآن هدياً كافياً ، ولكنهم يزدادون نفوراً من تدبره .
فجملة { ولقد صرفنا في هذا القرآن } معترضة مقترنة بواو الاعتراض .
والضمير عائد إلى الذين عبدوا الملائكة وزعموهم بنات الله .
والتصريف : أصله تعدد الصرف ، وهو النقل من جهة إلى أخرى . ومنه تصريف الرياح ، وهو هنا كناية عن التبيين بمختلف البيان ومتنوعه . وتقدم في قوله تعالى : { انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون } في سورة [ الأنعام : 46 ] .
وحذف مفعول { صرفنا } لأن الفعل نزل منزلة اللازم فلم يقدر له مفعول ، أي ، بينا البيان ، أي ليذّكّروا ببيانه . ويذّكّروا : أصله يتذكروا ، فأدغم التاء في الذال لتقارب مخرجيهما ، وقد تقدم في أول سورة يونس ، وهو من الذُكْر المضموم الذال الذي هو ضد النسيان .
وضمير { ليذكروا } عائد إلى معلوم من المقام دل عليه قوله : { أفأصفاكم ربكم بالبنين } [ الإسراء : 40 ] أي ليذكر الذين خوطبوا بالتوبيخ في قوله : { أفأصفاكم ربكم } [ الإسراء : 40 ] ، فهو التفات من الخطاب إلى الغيبة ، أو من خطاب المشركين إلى خطاب المؤمنين .
وقوله : { وما يزيدهم إلا نفوراً } تعجب من حالهم .
وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف { لِيَذْكُرُوا } بسكون الذال وضم الكاف مخففة مضارع ذكر الذي مصدره الذُّكر بضم الذال .
وجملة { وما يزيدهم إلا نفوراً } في موضع الحال ، وهو حال مقصود منه التعجيب من حال ضلالتهم . إذ كانوا يزدادون نفوراً من كلام فُصّل وبُين لتذكيرهم . وشأن التفصيل أن يفيد الطمأنينة للمقصود . والنفور : هروب الوحشي والدابة بجَزع وخشيةٍ من الأذى . واستعير هنا لإعراضهم تنزيلاً لهم منزلة الدواب والأنعام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.