وأصحاب الأيكة كذبوا " شعيبًا " وقوم تبع ، وتبع كل ملك ملك اليمن في الزمان السابق قبل الإسلام{[818]} فقوم تبع كذبوا الرسول ، الذي أرسله الله إليهم ، ولم يخبرنا الله من هو ذلك الرسول ، وأي تبع من التبابعة ، لأنه -والله أعلم- كان مشهورًا عند العرب لكونهم من العرب العرباء ، الذين لا تخفى ماجرياتهم على العرب خصوصًا مثل هذه الحادثة العظيمة .
فهؤلاء كلهم كذبوا الرسل ، الذين أرسلهم الله إليهم ، فحق عليهم وعيد الله وعقوبته ، ولستم أيها المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم ، خيرًا منهم ، ولا رسلهم أكرم على الله من رسولكم ، فاحذروا جرمهم ، لئلا يصيبكم ما أصابهم .
ثم يعقب بعرض صفحات من كتاب التاريخ البشري بعد عرض تلك الصفحات من كتاب الكون ، تنطق بمآل المكذبين الذين ماروا كما يماري هؤلاء المشركون في قضية البعث ، وكذبوا كما يكذبون بالرسل ، فحق عليهم وعيد الله الذي لا مفر منه ولا محيد :
( كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود ، وعاد وفرعون وإخوان لوط ، وأصحاب الأيكة ، وقوم تبع . كل كذب الرسل فحق وعيد . أفعيينا بالخلق الأول ? بل هم في لبس من خلق جديد ) . .
والرس : البئر : المطوية غير المبنية . والأيكة : الشجر الملتف الكثيف . وأصحاب الأيكة هم - في الغالب - قوم شعيب . أما أصحاب الرس فلا بيان عنهم غير هذه الإشارة . وكذلك قوم تبع . وتبع لقب لملوك حمير باليمن . وبقية الأقوام المشار إليهم هنا معروفون لقاريء القرآن .
وواضح أن الغرض من هذه الإشارة السريعة ليس تفصيل أمر هذه الأقوام . ولكنه إيقاع على القلوب بمصارع الغابرين . حين كذبوا الرسل . والذي يلفت النظر هو النص على أن كلا منهم كذب الرسل : ( كل كذب الرسل فحق وعيد ) . وهي لفتة مقصودة لتقرير وحدة العقيدة ووحدة الرسالة . فكل من كذب برسول فقد كذب بالرسل أجمعين ؛ لأنه كذب بالرسالة الواحدة التي جاء بها الرسل أجمعون . والرسل إخوة وأمة واحدة وشجرة ضاربة الجذور في أعماق الزمان ، وكل فرع من تلك الشجرة تلخيص لخصائصها ، وصورة منها . ومن يمس منها فرعا فقد مس الأصل وسائر الفروع . . ( فحق وعيد )ونالهم ما يعرف السامعون !
{ وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ } وهم قوم شعيب عليه السلام ، { وَقَوْمُ تُبَّعٍ } وهو اليماني . وقد ذكرنا من شأنه في سورة الدخان ما أغنى عن إعادته هاهنا ولله الحمد .
{ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ } أي : كل من هذه الأمم وهؤلاء القرون كذب رسوله {[27278]} ، ومن كذب رسولا {[27279]} فكأنما كذب جميع الرسل ، كقوله : { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ } [ الشعراء : 105 ] ، وإنما جاءهم رسول واحد ، فهم في نفس الأمر لو جاءهم جميع الرسل كذبوهم ، { فَحَقَّ وَعِيدِ } أي : فحق عليهم ما أوعدهم الله ، على التكذيب من العذاب والنكال فليحذر المخاطبون أن يصيبهم ما أصابهم فإنهم قد كذبوا رسولهم كما كذب أولئك .
وجملة { كل كذب الرسل } مؤكدة لجملة { كذبت قبلهم قوم نوح } إلى آخرها ، فلذلك فصلت ولم تعطف ، وليبني عليه قوله : { فحَقّ وعيد } فيكون تهديد بأن يحق عليهم الوعيد كما حق على أولئك مرتباً بالفاء على تكذيبهم الرسل فيكون في ذلك تشريف للنبيء صلى الله عليه وسلم وللرسل السابقين . وتنوين { كل } تنوين عوض عن المضاف إليه ، أي كلّ أولئك . و { حقّ } صدق وتحقّق .
والوعيد : الإنذار بالعقوبة واقتضى الإخبار عنه ب { حق } أن الله توعدهم به فلم يعبأوا وكذبوا وقوعه فحق وصدق . وحذفت ياء المتكلم التي أضيف إليها { وعيد } للرعي على الفاصلة وهو كثير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.