فقيل لهم على وجه التهكم بهم : { لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ْ } أي : لا يفيدكم الركوض والندم ، ولكن إن كان لكم اقتدار ، فارجعوا إلى ما أترفتم فيه ، من اللذات ، والمشتهيات ، ومساكنكم المزخرفات ، ودنياكم التي غرتكم وألهتكم ، حتى جاءكم أمر الله . فكونوا فيها متمكنين ، وللذاتها جانين ، وفي منازلكم مطمئنين معظمين ، لعلكم أن تكونوا مقصودين في أموركم ، كما كنتم سابقا ، مسئولين من مطالب الدنيا ، كحالتكم الأولى ، وهيهات ، أين الوصول إلى هذا ؟ وقد فات الوقت ، وحل بهم العقاب والمقت ، وذهب عنهم عزهم ، وشرفهم ودنياهم ، وحضرهم ندمهم وتحسرهم ؟ .
القول في تأويل قوله تعالى : { لاَ تَرْكُضُواْ وَارْجِعُوَاْ إِلَىَ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلّكُمْ تُسْأَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : لا تهربوا وارجعوا إلى ما أُترفتم فيه : يقول : إلى ما أُنعمتم فيه من عيشتكم ومساكنكم كما :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومَسَاكِنِكُمْ تُسْئَلُونَ يعني من نزل به العذاب في الدنيا ممن كان يعصي الله من الأمم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لا تَرْكُضُوا : لا تفرّوا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة : وَارْجِعُوا إلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ يقول : ارجعوا إلى دنياكم التي أُترفتم فيها .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر ، عن قتادة : وَارْجِعُوا إلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ قال : إلى ما أُترفتم فيه من دنياكم .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : لَعَلّكُمْ تُسْئَلُونَ فقال بعضهم : معناه : لعلكم تفقهون وتفهمون بالمسألة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : لَعَلّكُمْ تُسْئَلُونَ قال : تفقهون .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : لَعَلّكُمْ تُسْئَلُونَ قال : تفقهون .
وقال آخرون : بل معناه لعلكم تُسئلون من دنياكم شيئا على وجه السخرية والاستهزاء . ذكر من قال ذلك :
حدثني بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة : لَعَلّكُمْ تُسْئَلُونَ استهزاء بهم .
حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : لَعَلّكُمْ تُسْئَلُونَ من دنياكم شيئا ، استهزاء بهم .
{ لا تركضوا } على إرادة القول أي قيل لهم استهزاء لا تركضوا إما بلسان الحال أو المقال ، والقائل ملك أو من ثم من المؤمنين . { وارجعوا إلى ما أترفتم فيه } من التنعم والتلذذ والإتراف إبطار النعمة . { ومساكنكم } التي كانت لكم . { لعلكم تسئلون } غدا عن أعمالكم أو تعذبون فإن السؤال من مقدمات العذاب أو تقصدون للسؤال والتشاور في المهام والنوازل .
جملة { لا تركضوا } معترضة وهي خطاب للراكضين بتخيل كونهم الحاضرين المشاهَدين في وقت حكاية قصتهم ، ترشيحاً لمِا اقتضى اجتلاب حرف المفاجأة وهذا كقول مَالك بن الرّيب :
دعَاني الهوى من أهل وُدي وجيرتِي *** بذِي الطبَسيْن فالتفتُّ ورائيا
أي لما دعاه الهوى ، أي ذكّره أحبابَه وهو غازٍ بذي الطّبسين التفتَ وراءه كالذي يدعوه داع من خلفه فتخيل الهوى داعياً وراءه .
وتكون هذه الجملة معترضة بين جملة { فلما أحسوا بأسنا } وبين جملة { قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين } .
ويجوز جعل الجملة مقول قول محذوف خوطبوا به حينئذ بأن سمعوه بخلق من الله تعالى أو من ملائكة العذاب . وهذا ما فسر به المفسرون ويبعده استبعادُ أن يكون ذلك واقعاً عند كل عذاب أصيبت به كل قرية . وأياً ما كان فالكلام تهكم بهم .
والإتراف : إعطاء الترف ، وهو النعيم ورفه العيش ، أي ارجعوا إلى ما أعطيتم من الرفاهية وإلى مساكنكم .
وقوله تعالى { لعلكم تسألون } من جملة التهكم . وذكر المفسرون في معنى { تُسألون } احتمالات ستة . أظهرها : أن المعنى : ارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعيم لتروا ما آل إليه فلعلكم يسألكم سائل عن حال ما أصابكم فتعلموا كيف تجيبون لأن شأن المسافر أن يسأله الذين يقدَم إليهم عن حال البلاد التي تركها من خصب ورخاء أو ضد ذلك ، وفي هذا تكملة للتهكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.