القول في تأويل قوله تعالى : { وَالشّعَرَآءُ يَتّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنّهُمْ فِي كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ * إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ اللّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ الّذِينَ ظَلَمُوَاْ أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } .
يقول تعالى ذكره : والشعراء يتبعهم أهل الغيّ لا أهل الرشاد والهدى .
واختلف أهل التأويل في الذين وصفوا بالغيّ في هذا الموضع فقال بعضهم : رواة الشعر . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحسن بن يزيد الطحان ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، قال : حدثنا قيس ، عن يعلى ، عن عكرمة ، عن ابن عباس وحدّثني أبو كُرَيب ، قال : حدثنا طلق بن غنام ، عن قيس وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عطيّة ، عن قيس ، عن يعلى بن النعمان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس والشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ قال : الرواة .
وقال آخرون : هم الشياطين . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ : الشياطين .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله : يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال : يتبعهم الشياطين .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن ، قالا : حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن عكرِمة ، في قوله وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ قال : عصاة الجنّ .
وقال آخرون : هم السفهاء ، وقالوا : نزل ذلك في رجلين تهاجيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ . . . إلى آخر الاَية ، قال : كان رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحدهما من الأنصار ، والاَخر من قوم آخرين ، وأنهما تهاجيا ، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه ، وهم السفهاء ، فقال الله : وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوونَ ، ألَمْ تَرَ أنّهُمْ فِي كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ قال : كان رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحدهما من الأنصار ، والاَخر من قوم آخرين ، تهاجيا ، مع كلّ واحد منهما غواة من قومه ، وهم السّفهاء .
وقال آخرون : هم ضلال الجنّ والإنس . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال : هم الكفار يتبعهم ضلال الجنّ والإنس .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال : الغاوونَ المشركون .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال فيه ما قال الله جلّ ثناؤه : إن شعراء المشركين يتبعهم غواة الناس ، ومردة الشياطين ، وعصاة الجنّ ، وذلك أن الله عمّ بقوله : وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ فلم يخصص بذلك بعض الغواة دون بعض ، فذلك على جميع أصناف الغواة التي دخلت في عموم الاَية .
ولما ذكر الكهنة بإفكهم وكذبهم الذي يقتضي نفي كلامهم عن كلام الله تعالى عقب ذلك بذكر { الشعراء } وحالهم لينبه على بعد كلامهم من كلام الله تعالى في القرآن ، إذ قال في القرآن بعض الكفرة إنه شعر ، وهذه الكناية هي عن شعراء الجاهلية ، حكى النقاش عن السدي أنها في ابن الزبعرى وأبي سفيان بن الحارث وهبيرة بن أبي وهب ومسافع الجمحي وأبي عزة{[8972]} وأمية بن أبي الصلت .
قال القاضي أبو محمد : والأولان ممن تاب رضي الله عنهما ، ويدخل في الآية كل شاعر مخلط يهجو ويمدح شهوة ويقذف المحصنات ويقول الزور ، وقرأ نافع «يتْبعهم » بسكون التاء وهي قراءة أبي عبد الرحمن والحسن بخلاف عنه ، وقرأ الباقون بشد التاء وكسر الباء . واختلف الناس في قوله { الغاوون } ، فقال ابن عباس هم الرواة وقال ابن عباس أيضاً هم المستحسنون لأشعارهم المصاحبون لهم ، وقال عكرمة هم الرعاع الذي يتبعون الشاعر ويتغنمون إنشاده وهذا أرجح الأقوال ، وقال مجاهد وقتادة { الغاوون } الشياطين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.