فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلۡغَاوُۥنَ} (224)

ثم لما كان قد قال قائل من المشركين : إن النبي صلى الله عليه وسلم شاعر ، بيّن سبحانه حال الشعراء ومنافاة ما هم عليه لما عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال :

{ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ } مشددا ومخففا أي : يجاريهم ويسلك مسلكهم ويكون من جملتهم { الْغَاوُونَ } أي الضالون عن الحق ، والشعراء جمع شاعر والغاوون جمع غاو ، وهم ضلال الجن والإنس ، قاله ابن عباس . وقيل الزائلون عن الحق ، وقيل : المشركون ، وقيل : الشياطين ، وقيل : الذين يروون الشعر المشتمل على الهجاء وما لا يجوز .

وقيل : المراد شعراء الكفار خاصة منهم عبد الله بن الزبعرى السهمي ، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي ، ومسافع بن عبد مناف ، وأبو عزة الجمحي ، وأمية بن أبي الصلت الثقفي ، تكلموا بالكذب والباطل ، وقالوا نحن نقول مثل ما يقول محمد ، وقالوا الشعر واجتمع إليهم غواة قومهم يسمعون أشعارهم حين يهجون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويروون عنهم قولهم . فذلك قوله تعالى هذا .

قال الزجاج : إذا مدح أو هجا شاعر بما لا يكون ، وأحب ذلك قوم وتابعوه فهم الغاوون ، والمعنى لا يتبعهم على كذبهم وباطلهم وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب والطعن في الأحساب ، ومدح من لا يستحق المدح وذم من لا يستحق الذم ، ولا يستحسن ذلك منهم إلا الغاوون . عن ابن عباس قال : تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما من الأنصار ، والآخر من قوم أخرين ، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء ، فأنزل الله هذه الآية