جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلۡغَاوُۥنَ} (224)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالشّعَرَآءُ يَتّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنّهُمْ فِي كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ * إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ اللّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ الّذِينَ ظَلَمُوَاْ أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } .

يقول تعالى ذكره : والشعراء يتبعهم أهل الغيّ لا أهل الرشاد والهدى .

واختلف أهل التأويل في الذين وصفوا بالغيّ في هذا الموضع فقال بعضهم : رواة الشعر . ذكر من قال ذلك :

حدثني الحسن بن يزيد الطحان ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، قال : حدثنا قيس ، عن يعلى ، عن عكرمة ، عن ابن عباس وحدّثني أبو كُرَيب ، قال : حدثنا طلق بن غنام ، عن قيس وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عطيّة ، عن قيس ، عن يعلى بن النعمان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس والشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ قال : الرواة .

وقال آخرون : هم الشياطين . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ : الشياطين .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله : يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال : يتبعهم الشياطين .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن ، قالا : حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن عكرِمة ، في قوله وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ قال : عصاة الجنّ .

وقال آخرون : هم السفهاء ، وقالوا : نزل ذلك في رجلين تهاجيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ . . . إلى آخر الاَية ، قال : كان رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحدهما من الأنصار ، والاَخر من قوم آخرين ، وأنهما تهاجيا ، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه ، وهم السفهاء ، فقال الله : وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوونَ ، ألَمْ تَرَ أنّهُمْ فِي كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ قال : كان رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحدهما من الأنصار ، والاَخر من قوم آخرين ، تهاجيا ، مع كلّ واحد منهما غواة من قومه ، وهم السّفهاء .

وقال آخرون : هم ضلال الجنّ والإنس . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال : هم الكفار يتبعهم ضلال الجنّ والإنس .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال : الغاوونَ المشركون .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال فيه ما قال الله جلّ ثناؤه : إن شعراء المشركين يتبعهم غواة الناس ، ومردة الشياطين ، وعصاة الجنّ ، وذلك أن الله عمّ بقوله : وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ فلم يخصص بذلك بعض الغواة دون بعض ، فذلك على جميع أصناف الغواة التي دخلت في عموم الاَية .