روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلۡغَاوُۥنَ} (224)

وقوله تعالى : { والشعراء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون } مسوق لتنزيهه عليه الصلاة والسلام أيضاً عن أن يكون وحاشاه من الشعراء وإبطال زعم الكفرة أن القرآن من قبيل الشعر . والمتبادر منه الكلام المنظوم المقفى ولذلك قال كثير من المفسرين : إنهم رموه عليه الصلاة والسلام بكونه آتياً بشعر منظوم مقفى حتى تأولوا عليه ما جاء في القرآن مما يكون موزوناً بأدنى تصرف كقوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله } [ الإسراء : 33 ] ويكون بهذا الاعتبار شطراً من الطويل وكقوله سبحانه : { إِنَّ قارون كَانَ مِن قَوْمِ موسى } [ القصص : 76 ] ويكون من المديد ، وكقوله عز وجل : { فَأْصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مساكنهم } [ الأحقاف : 25 ] ويكون من البسيط ، وقوله تبارك وتعالى : { أَلاَ بُعْدًا لّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } [ هود : 60 ] ويكون من الوافر ، وقوله جل وعلا : { صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً } [ الأحزاب : 56 ] ويكون من الكامل إلى غير ذلك مما استخرجوه منه من سائر البحور ، وقد استخرجوا منه ما يشبه البيت التام كقوله تعالى : { وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } [ التوبة : 14 ] .

وتعقب ذلك بأنهم لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به صلى الله عليه وسلم إذ لا يخفى على الأغبياء من العجم فضلاً عن بلغاء العرب أن القرآن الذي جاء به صلى الله عليه وسلم ليس على أساليب الشعر وهم ما قالوا فيه عليه الصلاة والسلام شاعر إلا لما جاءهم بالقرآن واستخراج ما ذكر ونحوه منه ليس إلا لمزيد فصاحته وسلاسته ولم يؤت به لقصد النظم . ولو اعتبر في كون الكلام شعراً إمكان استخراج ما ذكر ونحوه منه ليس إلا لمزيد فصاحته وسلاسته ولم يؤت به لقصد النظم . وول اعتبر في كون الكلام شعراً إمكان استخراج كلام منظوم منه لكان كثير من الأطفال شعراء فإن كثيراً من كلامهم يمكن فيه ذلك ، والظاهر أنهم إنما قصدوا رميه صلى الله عليه وسلم بأنه وحاشاه ثم حاشاه يأتي بكلام مخيل لا حقيقة له ، ولما كان ذلك غالباً في الشعراء الذين يأتون بالمنظوم من الكلام عبروا عنه عليه الصلاة والسلام بشاعر وعما جاء بالشعر ، ومعنى الآية والشعراء يجاريهم ويسلك مسلكهم ويكون من جملتهم الغاوون الضالون عن السنن الحائرون فيما يأتون وما يذرون ولا يستمرون على وتيرة واحدة في الأفعال والأقوال والأحوال لا غيرهم من أهل الرشد المهتدين إلى طريق الحق الثابتين عليه ، والحصر مستفاد من بناء { يَتَّبِعُهُمُ } الخ على الشعراء عند الزمخشري كما قرره في تفسير قوله تعالى : { الله يَسْتَهْزِىء بِهِم } [ البقرة : 15 ] وقوله سبحانه : { والله يُقَدّرُ الليل والنهار } [ المزمل : 20 ] ومن لا يرى الحصر في مثل هذا التركيب يأخذه من الوصف المناسب أعني أن الغواية جعلت علة للاتباع فإذا انتفت انتفى .