قوله : { وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ } الشعراء جمع شاعر ، وهو الذي يقرض الشعر . وهو الكلام الموزون المقفى{[3409]} . والغاوون ، جمع ومفرده الغاوي وهو من الغي بمعنى الضلال والخيبة{[3410]} والمراد بالغاوين ، الضالون عن الحق من الإنس والجن ؛ أي أن الشعراء يتبعهم أهل الغي لا أهل الحق والهداية . واختلفوا في المراد بالغاوين في الآية ، فقد قيل : يراد بهم الشياطين ، وقيل : عصاة الجن ، وقيل : المشركون . وقيل : السفهاء . وقال الطبري : إن شعراء المشركين يتبعهم غواة الناس ومردة الشياطين وعصاة الجن .
ولعل الصواب فيما قيل في الشعر والشعراء الذين يتبعهم الغاوون أنهم الذين يسخرون شعرهم في الفساد والباطل وفي مجانبة البر والفضيلة والخلق الكريم . كالثناء على المفسدين والظالمين وأهل الباطل . أو هجاء الصالحين وأهل الفضيلة والاستقامة من الناس . أو الخوض في أعراض المسلمين وتتبع عوراتهم والنيل من شرفهم وسمعتهم وقدرهم ، بالقبيح من الكلام المستهجن المسف . أو ما كان إطراء للساسة والأمراء والأغنياء على سبيل التزلف والنفاق ؛ ابتغاء للمال وطلبا للحظوة من شهرة ومكانة أو نحو ذلك من وجوه الباطل . وهي وجوه كثيرة ومختلفة سخر فيها شعراء الضلال والباطل قصائدهم ؛ طمعا في كسب حرام أو رغبة في نفاق مجرد لا يحفز إليه غير الخور والخسة والهوى .
قال الزمخشري في الكشاف في الشعراء الذين يتبعهم الغاوون : إنه لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم وفضول قولهم وما هم عليه من الهجاء وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب ، والنسب بالحرم{[3411]} والغزل ومدح من لا يستحق المدح . ولا يستحسن ذلك منهم ولا يطرب على قولهم إلا الغاوون والسفهاء والشطار{[3412]} .
وقال القرطبي في ذلك : وأما الشعر المذموم الذي لا يحل سماعه ، وصاحبه ملوم فهو المتكلم بالباطل حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة ، وأشحهم على حاتم ، وأن يبهتوا البريء ويفسقوا التقي ، وأن يفرطوا في القول بما لم يفعله المرء ، رغبة في تسلية النفس وتحسين القول .
فهذا هو حكم الشعر المذموم وحكم صاحبه . فإنه لا يحل سماعه أو إنشاده لما فيه من إشاعة للباطل والرذائل ونشر للفساد والفحش وإيذاء العباد .
وهو هنا كمنثور الكلام القبيح . وقد روي في الخبر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حسن الشعر كحسن الكلام ، وقبيحه كقبيح الكلام " .
وفي التحذير من قرض الشعر المذموم لمجونه أو فساده ، وفي التنديد به وبقائله روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه{[3413]} خير من أن يمتلئ شعرا " وأحسن ما قيل في تأويل هذا الحديث : أنه الذي غلب على شعره ما كان في الباطل والمجون وما نهى الله عنه كالإكثار من اللغط والغيبة وقبيح القول . أو ما كان في وصف الخمر والزنا وهتك الحرمات . ونحو ذلك من وجوه الفسق والفحش والأذى .
أما الشعر الحسن فهو ما كان في الخير والفضيلة فإنه مستحب ومرغوب فيه .
وذلك كالذي يتضمن ذكر الله وحمده والثناء عليه ، أو ما كان فيه إطراء الإسلام والذب عنه وعن المسلمين وعن رسولهم الأمين . فذلكم مندوب إليه كشعر حسان ابن ثابت في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم والذب عنه ، ودفع أذى المشركين وقدحهم وافتراءاتهم .
قال الإمام الشافعي في هذا الصدد : الشعر نوع من الكلام ، حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيحه . وبذلك فإن الشعر لا يكره لذاته وإنما يكره لما تضمنه من المعاني المذمومة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.