التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلۡغَاوُۥنَ} (224)

قوله : { وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ } الشعراء جمع شاعر ، وهو الذي يقرض الشعر . وهو الكلام الموزون المقفى{[3409]} . والغاوون ، جمع ومفرده الغاوي وهو من الغي بمعنى الضلال والخيبة{[3410]} والمراد بالغاوين ، الضالون عن الحق من الإنس والجن ؛ أي أن الشعراء يتبعهم أهل الغي لا أهل الحق والهداية . واختلفوا في المراد بالغاوين في الآية ، فقد قيل : يراد بهم الشياطين ، وقيل : عصاة الجن ، وقيل : المشركون . وقيل : السفهاء . وقال الطبري : إن شعراء المشركين يتبعهم غواة الناس ومردة الشياطين وعصاة الجن .

ولعل الصواب فيما قيل في الشعر والشعراء الذين يتبعهم الغاوون أنهم الذين يسخرون شعرهم في الفساد والباطل وفي مجانبة البر والفضيلة والخلق الكريم . كالثناء على المفسدين والظالمين وأهل الباطل . أو هجاء الصالحين وأهل الفضيلة والاستقامة من الناس . أو الخوض في أعراض المسلمين وتتبع عوراتهم والنيل من شرفهم وسمعتهم وقدرهم ، بالقبيح من الكلام المستهجن المسف . أو ما كان إطراء للساسة والأمراء والأغنياء على سبيل التزلف والنفاق ؛ ابتغاء للمال وطلبا للحظوة من شهرة ومكانة أو نحو ذلك من وجوه الباطل . وهي وجوه كثيرة ومختلفة سخر فيها شعراء الضلال والباطل قصائدهم ؛ طمعا في كسب حرام أو رغبة في نفاق مجرد لا يحفز إليه غير الخور والخسة والهوى .

قال الزمخشري في الكشاف في الشعراء الذين يتبعهم الغاوون : إنه لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم وفضول قولهم وما هم عليه من الهجاء وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب ، والنسب بالحرم{[3411]} والغزل ومدح من لا يستحق المدح . ولا يستحسن ذلك منهم ولا يطرب على قولهم إلا الغاوون والسفهاء والشطار{[3412]} .

وقال القرطبي في ذلك : وأما الشعر المذموم الذي لا يحل سماعه ، وصاحبه ملوم فهو المتكلم بالباطل حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة ، وأشحهم على حاتم ، وأن يبهتوا البريء ويفسقوا التقي ، وأن يفرطوا في القول بما لم يفعله المرء ، رغبة في تسلية النفس وتحسين القول .

فهذا هو حكم الشعر المذموم وحكم صاحبه . فإنه لا يحل سماعه أو إنشاده لما فيه من إشاعة للباطل والرذائل ونشر للفساد والفحش وإيذاء العباد .

وهو هنا كمنثور الكلام القبيح . وقد روي في الخبر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حسن الشعر كحسن الكلام ، وقبيحه كقبيح الكلام " .

وفي التحذير من قرض الشعر المذموم لمجونه أو فساده ، وفي التنديد به وبقائله روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه{[3413]} خير من أن يمتلئ شعرا " وأحسن ما قيل في تأويل هذا الحديث : أنه الذي غلب على شعره ما كان في الباطل والمجون وما نهى الله عنه كالإكثار من اللغط والغيبة وقبيح القول . أو ما كان في وصف الخمر والزنا وهتك الحرمات . ونحو ذلك من وجوه الفسق والفحش والأذى .

أما الشعر الحسن فهو ما كان في الخير والفضيلة فإنه مستحب ومرغوب فيه .

وذلك كالذي يتضمن ذكر الله وحمده والثناء عليه ، أو ما كان فيه إطراء الإسلام والذب عنه وعن المسلمين وعن رسولهم الأمين . فذلكم مندوب إليه كشعر حسان ابن ثابت في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم والذب عنه ، ودفع أذى المشركين وقدحهم وافتراءاتهم .

قال الإمام الشافعي في هذا الصدد : الشعر نوع من الكلام ، حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيحه . وبذلك فإن الشعر لا يكره لذاته وإنما يكره لما تضمنه من المعاني المذمومة .


[3409]:المعجم الوسيط جـ 2 ص 484.
[3410]:مختار الصحاح ص 485.
[3411]:النسيب بالحرم: التعريض بهوى النساء وحبهن. انظر المعجم الوسيط جـ 2 ص 916.
[3412]:الشطار: جمع شاطر. وهو الذي أعيا أهله لؤما وخبثا. انظر المصباح المنير جـ 1 ص 335.
[3413]:يريه: من الوري. يقال: وروى القيح جوفه يريه وريا، أي أكله. انظر مختار الصحاح ص 718.