{ 13 } { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ }
أي : وكم من قرية من قرى المكذبين ، هي أشد قوة من قريتك ، في الأموال والأولاد والأعوان ، والأبنية والآلات .
{ أهلكناهم } حين كذبوا رسلنا ، ولم تفد فيهم المواعظ ، فلا نجد لهم{[785]} ناصرا ، ولم تغن عنهم قوتهم من عذاب الله شيئا .
فكيف حال هؤلاء الضعفاء ، أهل قريتك ، إذ أخرجوك عن وطنك وكذبوك ، وعادوك ، وأنت أفضل المرسلين ، وخير الأولين والآخرين ؟ !
أليسوا بأحق من غيرهم بالإهلاك والعقوبة ، لولا أن الله تعالى بعث رسوله بالرحمة والتأني بكل كافر وجاحد ؟
وتعترض سلسلة الموازنات بين الذين آمنوا والذين كفروا لفتة إلى القرية التي أخرجت الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وموازنة بينها وبين القرى الهالكة وكانت أشد قوة منها :
وكأي من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم . .
وهي آية يروى أنها نزلت في الطريق بين مكة والمدينة في أثناء رحلة الخروج والهجرة ، تسلية للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وتسرية عنه ؛ وتهوينا من شأن المشركين الجبارين الذين وقفوا في وجه الدعوة ، وآذوا أصحابها ، حتى هاجروا من أرضهم وأهلهم وأموالهم فرارا بعقيدتهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدّ قُوّةً مّن قَرْيَتِكَ الّتِيَ أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } .
يقول تعالى ذكره : وكم يا محمد من قرية هي أشدّ قوّة من قريتك ، يقول أهلها أشدّ بأسا ، وأكثر جمعا ، وأعدّ عديدا من أهل قريتك ، وهي مكة ، وأخرج الخبر عن القرية ، والمراد به أهلها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وكأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أشَدّ قُوّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الّتي أخْرَجَتْكَ أهْلَكْناهُمْ قال : هي مكة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله وكأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أشَدّ قُوّةً مِنْ قَرْيَتِكَ قال : قريته مكة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن حبيش ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، لما خرج من مكة إلى الغار ، أراه قال : التفت إلى مكة ، فقال : «أنْتِ أحَبّ بِلادِ اللّهِ إلى اللّهِ ، وأنْتِ أحَبّ بِلادِ اللّهِ إليّ ، فَلَوْ أنّ المُشْركِينَ لَمْ يُخْرِجُوني لَمْ أخْرُجْ مِنْكِ ، فَأعْتَىَ الأعْداءِ مَنْ عَتا على اللّهِ في حَرَمِهِ ، أوْ قَتَلَ غيرَ قاتِلِهِ ، أوْ قَتَلَ بذُحُولِ الجاهِلِيّةِ » ، فأنزل الله تبارك وتعالى : وكأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أشَدّ قُوّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الّتي أخْرَجَتْكَ أهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ وقال جلّ ثناؤه : أخرجتك ، فأخرج الخبر عن القرية ، فلذلك أنّث ، ثم قال : أهلكناهم ، لأن المعنى في قوله أخرجتك ، ما وصفت من أنه أريد به أهل القرية ، فأخرج الخبر مرّة على اللفظ ، ومرّة على المعنى .
وقوله : فَلا ناصِرَ لَهُمْ فيه وجهان من التأويل : أحدهما أن يكون معناه ، وإن كان قد نصب الناصر بالتبرئة ، فلم يكن لهم ناصر ، وذلك أن العرب قد تضمر كان أحيانا في مثل هذا . والاَخر أن يكون معناه : فلا ناصر لهم الاَن من عذاب الله ينصرهم .
وقد تقدم القول غير مرة في قوله : { وكأين } . وضرب الله تعالى لمكة مثلاً بالقرى المهلكة على عظمها ، كقرية قوم عاد وغيرها . و : { أخرجتك } معناه : وقت الهجرة . ونسب الإخراج إلى القرية حملاً على اللفظ . وقال : { أهلكناهم } حملاً على المعنى . ويقال : إن هذه الآية نزلت إثر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة في طريق المدينة . وقيل : نزلت بالمدينة . وقيل : نزلت بمكة عام دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية . وقيل نزلت : عام الفتح وهو مقبل إليها . وهذا كله حكمه حكم المدني .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.