المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (13)

13- تلك الأحكام المذكورة في بيان المواريث وما سبقها ، شرائع الله التي حدَّدها لعباده ليعملوا بها ولا يتعدوها ، ومن يطع الله ورسوله فيما حكم به كان جزاؤه الجنة التي تجري فيها الأنهار خالداً فيها وذلك الفوز العظيم{[39]} .


[39]:نظام الميراث الذي بينه القرآن الكريم أعدل نظام للتوريث عرف في كل قوانين العالم، وقد اعترف بذلك كل علماء القانون في أوروبا، وهو دليل على أن القرآن من عند الله، إذ أنه لم يكن مثله ولا قريب منه معروفا عند الفرس ولا عند الرومان، ولا في أي شريعة أخرى قبله، وقد قام على النظم العادلة الآتية: أولها: أنه جعل التوريث بتنظيم الشارع لا بإرادة المالك، من غير أن يمهل هذه الإرادة، بل جعل له الوصية بالمعروف في الثلث ليتدارك تقصيرا دينيا فاته، كزكوات لم يؤدها، أو ليعين بعض ذوي الحاجة ممن تربطه بهم صلة مودة أو قرابة لا تستحق ميراثا، ومنع الوصية إذا كان الباعث عليها معصية أو تحريضا على الاستمرار في معصية، وتولي الشارع توزيع الثلثين إن كانت وصية، أو توزيع الكل إذا لم تكن وصية، أو كانت بأقل من الثلث فوزع الشارع الباقي. وثانيها: أنه في توليه سبحانه توزيع الثلثين أعطى الأقرب فالأقرب من غير تفرقة بين صغير وكبير، ولذلك كان الأولاد أكثر حظا من غيرهم في الميراث، لأنهم امتداد لشخص المالك، ولأنهم في الغالب ضعاف، ومع ذلك م يستأثروا بالميراث، بل يشاركهم الأم، والجدة، والأب، والجد، وإن كانوا يأخذون أقل من الأولاد. وثالثها: أنه يلاحظ في التوريث مقدار الحاجة، ولذلك كان نصيب الأولاد أكبر.لأنهم أكثر احتياجا، إذ هم مقبلون على الحياة، والآباء والأمهات مدبرون عنها. وإن ملاحظة الحاجة هي التي جعلت نصيب المرأة على النصف من نصيب الرجل في أكثر أحوال الميراث، إذ إن التكليفات المالية التي يطالب بها الرجل أكبر، فهو المطالب بنفقة الأولاد وإصلاحهم، وهو المطالب بنفقة المرأة، إذ إن الفطرة الإنسانية هي التي جعلت المرأة قوامة على البيت وتدبيره، ورعاية الأولاد، وتهيئة راحتهم، وجعلت الرجل كادحا يعمل خارج البيت، ويقدم المال المطلوب لميزانية الأسرة. وإن الإعطاء على مقدار الحاجة هو العدل، والمساواة مع تفاوت الحاجة هي الظلم. ورابعها: أن الشرع الإسلامي في توزيعه للتركة يتجه إلى التوزيع دون التجميع، فلم يجعلها للولد البكر، ولم يجعلها للأبناء دون البنات، ولا للأولاد دون الآباء، ولم يحرم من ليسوا من عمود النسب، كالإخوة والأعمام وأبناء الأعمام وإن بعدوا، فالميراث يمتد إلى ما يقارب القبيلة، ولكن يأخذ الأقرب فالأقرب، ولا يوجد في مسائل الميراث أن ينفرد به واحد إلا نادرا. وخامسا: أنه لم يحرم المرأة من الميراث كما كان يجري عند العرب، بل لها ميراث، وفي ذلك احترام للمرأة وإعطاؤها حقوقها. وفوق ذلك لم يمنع الإسلام قرابة المرأة من الميراث، بل ورث القرابة التي تكون من جانبها، كما ورث القرابة التي تكون من جانب الأب، فالأخوات والإخوة لأم يأخذون عندما يأخذ الأشقاء، بل في بعض الأحيان يأخذ الأولاد لأم ولا يأخذ الإخوة والأخوات، وهذا بلا شك تكريم للأمومة، واعتراف بقرابتها، ولم يكن ذلك معروفا من قبل، ولكنها شريعة الله العليم الحكيم.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (13)

{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ }

أي : تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث حدود الله التي يجب الوقوف معها وعدم مجاوزتها ، ولا القصور عنها ، وفي ذلك دليل على أن الوصية للوارث منسوخة بتقديره تعالى أنصباء الوارثين .

ثم قوله تعالى : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ }{[195]}  فالوصية للوارث بزيادة على حقه يدخل في هذا التعدي ، مع قوله صلى الله عليه وسلم : " لا وصية لوارث " ثم ذكر طاعة الله ورسوله ومعصيتهما عموما ليدخل في العموم لزوم حدوده في الفرائض أو ترك ذلك فقال : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } بامتثال أمرهما الذي أعظمه طاعتهما في التوحيد ، ثم الأوامر على اختلاف درجاتها واجتناب نهيهما الذي أعظمُه الشرك بالله ، ثم المعاصي على اختلاف طبقاتها { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } فمن أدى الأوامر واجتنب النواهي فلا بد له من دخول الجنة والنجاة من النار . { وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } الذي حصل به النجاة من سخطه وعذابه ، والفوز بثوابه ورضوانه بالنعيم المقيم الذي لا يصفه الواصفون .


[195]:هنا سبق قلم من الشيخ -رحمه الله- فالآية "تلك حدودالله " وأثبت الشيخ- زيادة "فَلاَ تَعْتَدُوهَا" وليس هنا محلها، وعلى مقتضى ما أثبت فسر، فأبقيت الكلام كما هو، وعدلت الآية.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (13)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ } ، فقال بعضهم : يعني به : تلك شروط الله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ } يقول : شروط الله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : تلك طاعة الله . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ } يعني : طاعة الله ، يعني : المواريث التي سمّى الله .

وقال آخرون : معنى ذلك : تلك سنة الله وأمره .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : تلك فرائض الله .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما نحن مبيّنوه ، وهو أن حدّ كلّ شيء ما فصل بينه وبين غيره ، ولذلك قيل لحدود الدار وحدود الأرضين : حدود ، لفصولها بين ما حدّ بها وبين غيره ، فكذلك قوله : { تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ } معناه : هذه القسمة التي قسمها لكم ربكم ، والفرائض التي فرضها لأحيائكم من موتاكم في هذه الاَية على ما فرض وبين في هاتين الاَيتين حدود الله ، يعني : فصول ما بين طاعة الله ومعصيته في قسمكم مواريث موتاكم ، كما قال ابن عباس . وإنما ترك طاعة الله ، والمعنيّ بذلك حدود طاعة الله اكتفاء بمعرفة المخاطبين بذلك بمعنى الكلام من ذكرها . والدليل على صحة ما قلنا في ذلك قوله : { وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ } . . . والاَية التي بعدها : { وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ } .

فتأويل الاَية إذا : هذه القسمة التي قسم بينكم أيها الناس عليها ربكم مواريث موتاكم ، فصول فصل بها لكم بين طاعته ومعصيته ، وحددو لكم تنتهون إليها فلا تتعدّوها ، وفصل منكم أهل طاعته من أهل معصيته فيما أمركم به من قسمة مواريث موتاكم بينكم ، وفيما نهاكم عنه منها . ثم أخبر جلّ ثناؤه عما أعدّ لكلّ فريق منهم ، فقال لفريق أهل طاعته في ذلك : { وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ } في العمل بما أمره به والانتهاء إلى ما حدّه له في قسمة المواريث وغيرها ، ويجتنب ما نهاه عنه في ذلك وغيره¹ { يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ } ، فقوله : { يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ } يعني : بساتين تجري من تحت غروسها وأشجارها الأنهار . { خالِدِينَ فِيها } يقول : باقين فيها أبدا ، لا يموتون فيها ، ولا يفنون ، ولا يخرجون منها . { وَذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ } يقول : وإدخال الله إياهم الجنان التي وصفها على ما وصف من ذلك الفوز العظيم يعني : الفَلَح العظيم .

وبنحو ما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ } . . . الاَية ، قال : في شأن المواريث التي ذكر قبل .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ } التي حدّ لخلقه وفرائضه بينهم من الميراث والقسمة ، فانتهوا إليها ولا تعدوها إلى غيرها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (13)

الإشارة إلى المعاني والجمل المتقدّمة .

والحدود جمع حَدّ ، وهو ظرف المكان الذي يميز عن مكان آخر بحيث يمنع تجاوزه ، واستُعمل الحدود هنا مجازاً في العمل الذي لا تحلّ مخالفته على طريقة التمثيل .

ومعنى { ومن يطع الله ورسوله } أنّه يتابع حدوده كما دلّ عليه قوله في مقابله { ويتعد حدوده } .