116- وإذا كان سبحانه هو الحكم العدل الذي يُرْجَعُ إلى كتبه في طلب الحق ومعرفته ، فلا تتبع - أيها النبي - أنت ومن معك أحداً يخالف قوله الحق ، ولو كانوا عدداً كثيراً . فإنك إن تتبع أكثر الناس الذين لا يعتمدون على شرع مُنزل يبعدوك عن طريق الحق المستقيم وهو طريق الله تعالى ، لأنهم لا يسيرون إلا وراء الظنون والأوهام ، وإن هم إلا يقولون عن تخمين لا يُبني على برهان .
{ 116 ، 117 } { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }
يقول تعالى ، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، محذرا عن طاعة أكثر الناس : { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } فإن أكثرهم قد انحرفوا في أديانهم وأعمالهم ، وعلومهم . فأديانهم فاسدة ، وأعمالهم تبع لأهوائهم ، وعلومهم ليس فيها تحقيق ، ولا إيصال لسواء الطريق .
بل غايتهم أنهم يتبعون الظن ، الذي لا يغني من الحق شيئا ، ويتخرصون في القول على الله ما لا يعلمون ، ومن كان بهذه المثابة ، فحرى أن يحذِّر الله منه عبادَه ، ويصف لهم أحوالهم ؛ لأن هذا –وإن كان خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم- فإن أمته أسوة له في سائر الأحكام ، التي ليست من خصائصه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرْضِ يُضِلّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتّبِعُونَ إِلاّ الظّنّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لا تطع هؤلاء العادلين بالله الأنداد يا محمد فيما دعوك إليه من أكل ما ذبحوا لاَلهتهم ، وأهلّوا به لغير ربهم ، وأشكالهَم من أهل الزيغ والضلال ، فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن دين الله ومحجة الحقّ والصواب فيصدّوك عن ذلك .
وإنما قال الله لنبيه : وَإنْ تُطِعْ أكْثَرَ مَنْ فِي الأرْض من بني آدم ، لأنهم كانوا حينئذٍ كفارا ضلالاً ، فقال له جلّ ثناؤه : لا تطعهم فيما دعوك إليه ، فإنك إن تطعهم ضللت ضلالهم وكنت مثلهم لأنهم لا يدعونك إلى الهدى وقد أخطئوه .
ثم أخبر جلّ ثناؤه عن حال الذين نهى نبيه عن طاعتهم فيما دعوه إليه في أنفسهم ، فقال : إنْ يَتّبِعُونَ إلاّ الظّنّ فأخبر جلّ ثناؤه أنهم من أمرهم على ظنّ عند أنفسهم ، وحسبان على صحة عزم عليه وإن كان خطأ في الحقيقة .
{ وَإنْ هُمْ إلاّ يَخْرُصُونَ }يقول : ما هم إلا متخرّصون يظنون ويوقعون حزرا لا يقين علم ، يقال منه : خَرَصَ يَخْرُصُ خَرْصا وخِرْصا : أي كذب وتخرّص بظنّ وتخرّص بكذب ، وخرصتُ النخل أخْرُصُه ، وخَرِصتْ إبلك : أصابها البرد والجوع .
{ وإن تطع أكثر من في الأرض } أي أكثر الناس يريد الكفار ، أو الجهال أو اتباع الهوى . وقيل الأرض أرض مكة . { يضلوك عن سبيل الله } عن الطريق الموصل إليه ، فإن الضال في غالب الأمر لا يأمر إلا بما هو ضلال . { إن يتبعون إلا الظن } وهو ظنهم أن آباءهم كانوا على الحق ، أو جهالاتهم وآرائهم الفاسدة فإن الظن يطلق على ما يقابل العلم . { وإن هم إلا يخرصون } يكذبون على الله سبحانه وتعالى فيما ينسبون إليه كاتخاذ الولد وجعل عبادة الأوثان وصلة إليه ، وتحليل الميتة وتحريم البحائر ، أو يقدرون أنهم على شيء وحقيقته ما يقال عن ظن وتخمين .
أُعقِب ذكرُ عناد المشركين ، وعداوتِهم للرسول صلى الله عليه وسلم وولايتهم للشّياطين ، ورضاهم بما توسوس لهم شياطين الجنّ والإنس ، واقترافهم السيّئات طاعة لأوليائهم ، وما طَمْأن به قلب الرّسول صلى الله عليه وسلم من أنّه لقي سنّة الأنبياء قبلَه من آثار عداوة شياطين الإنس والجنّ ، بذكر ما يهون على الرّسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين ما يرونه من كثرة المشركين وعزّتهم ، ومن قلّة المسلمين وضعفهم ، مع تحذيرهم من الثّقة بقولهم ، والإرشاد إلى مخالفتهم في سائر أحوالهم ، وعدم الإصغاء إلى رأيهم ، لأنَّهم يُضِلّون عن سبيل الله ، وأمرِهم بأن يلزموا ما يرشدهم الله إليه . فجملة : { وإن تطع } متّصلة بجملة : { وكذلك جعلنا لكل نبيء عدوّا شياطين الإنس والجنّ } [ الأنعام : 112 ] وبجملة : { أفغير الله أبتغي حكماً } [ الأنعام : 114 ] وما بعدها إلى : { وهو السميع العليم } [ الأنعام : 115 ] .
والخطاب للنّبي صلى الله عليه وسلم والمقصود به المسلمون مثل قوله تعالى : { لئن أشركت ليحبطنّ عملك } [ الزمر : 65 ] .
وجيء مع فعل الشّرط بحرف ( إنْ ) الّذي الأصل فيه أن يكون في الشّرط النّادر الوقوع ، أو الممتنع إذا كان ذكره على سبيل الفرض كما يفرض المحال ، والظاهر أنّ المشركين لمّا أيسوا من ارتداد المسلمين ، كما أنبأ بذلك قوله تعالى : { قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرّنا } [ الأنعام : 71 ] الآية ، جَعلوا يلقون على المسلمين الشُبه والشكوك في أحكام دينهم ، كما أشار إليه قوله تعالى عقب هذا : { وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإنْ أطعتموهم إنّكم لمشركون } [ الأنعام : 121 ] . وقد روى الطّبري عن ابن عبّاس ، وعكرمة : أنّ المشركين قالوا : « يا محمّد أخبرنا عن الشّاة إذا ماتَتْ مَنْ قَتلها ( يريدون أكل الشّاة إذا ماتت حتف أنفها دون ذبح ) قال اللَّهُ قتَلها فتزعم أنّ ما قتلتَ أنت وأصحابُك حلال وما قتل الكلبُ والصَقر حلال وما قتله الله حرام » فوقع في نفس ناس من المسلمين من ذلك شيء وفي « سنن التّرمذي » ، عن ابن عبّاس قال : " أتى أناس النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله أنأكل ما نقتل ولا نأكل ما يقتل اللَّهُ " فأنزل الله : { فكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه } [ الأنعام : 118 ] الآية . قال التّرمذي : هذا حديث حسن غريب . فمن هذا ونحوه حَذّر الله المسلمين من هؤلاء ، وثبّتهم على أنّهم على الحقّ ، وإن كانوا قليلاً . كما تقدّم في قوله : { قل لا يستوي الخبيث والطيّب ولو أعجبك كثرة الخبيث } [ المائدة : 100 ] .
والطاعة : اسم للطّوع الّذي هو مصدر طاع يطوع ، بمعنى انقاد وفَعَل ما يؤمر به عن رضى دون ممانعة ، فالطاعة ضدّ الكره . ويقال : طاع وأطاع ، وتستعمل مجازاً في قبول القول ، ومنه ما جاء في الحديث : " فإن هم طاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم زكاة أموالهم " . ومنه قوله تعالى : { ولا شفيعٍ يُطاع } [ غافر : 18 ] أي يُقبل قوله ، وإلاّ فإنّ المشفوع إليه أرفع من الشفيع فليس المعنى أنّه يمتثل إليه . والطاعة هنا مستعملة في هذا المعنى المجازي وهو قبول القول .
و { أكثر من في الأرض } هم أكثر سكّان الأرض . والأرض : يطلق على جميع الكرة الأرضية الّتي يعيش على وجهها الإنسان والحيوان والنّبات ، وهي الدّنيا كلّها . ويطلق الأرض على جزء من الكرة الأرضيّة معهود بين المخاطبين وهو إطلاق شائع كما في قوله تعالى : { وقُلنا مِن بعده لبني إسرائيل اسكُنُوا الأرض } [ الإسراء : 104 ] يعني الأرض المقدّسة ، وقولِه : { أو يُنْفَوْا من الأرض } [ المائدة : 33 ] أي الأرض الّتي حاربوا الله فيها . والأظهر أنّ المراد في الآية المعنى المشهور وهو جميع الكرة الأرضية كما هو غالب استعمالها في القرآن . وقيل : أريد بها مكّة لأنّها الأرض المعهودة للرّسول عليه الصلاة والسلام . وأيّاً مّا كان فأكثر من في الأرض ضالّون مضلّون : أمّا الكرة الأرضية فلأنّ جمهرة سكّانها أهل عقائد ضالّة ، وقوانين غير عادلة .
فأهل العقائد الفاسدة : في أمر الإلهيّة : كالمجوس ، والمشركين ، وعبدة الأوثان ، وعبدة الكواكب ، والقائلين بتعدّد الإله ؛ وفي أمر النّبوّة : كاليهود والنّصارى ؛ وأهلُ القوانين الجائرة من الجميع . وكلّهم إذا أطيع إنَّما يدعو إلى دينه ونحلته ، فهو مُضِلّ عن سبيل الله ، وهم متفاوتون في هذا الضّلال كثرة وقلّة ، واتّباع شرائعهم لا يخلو من ضلال وإن كان في بعضها بعض من الصّواب . والقليل من النّاس مَن هم أهل هدى ، وهم يومئذ المسلمون ، ومن لم تبلغهم دعوة الإسلام من الموحّدين الصّالحين في مشارق الأرض ومغاربها الطالبين للحقّ .
وسبب هذه الأكثرية : أنّ الحقّ والهدى يحتاج إلى عقوللٍ سليمة ، ونفوس فاضلة ، وتأمّل في الصّالح والضارّ ، وتقديمِ الحقّ على الهوى ، والرشدِ على الشّهوة ، ومحبّة الخير للنّاس ؛ وهذه صفات إذا اختلّ واحد منها تطرّق الضّلال إلى النّفس بمقدار ما انثلم من هذه الصّفات . واجتماعها في النّفوس لا يكون إلاّ عن اعتدال تامّ في العقل والنّفس ، وذلك بتكوين الله وتعليمه ، وهي حالة الرّسل والأنبياء ، أو بإلهام إلهي كما كان أهل الحقّ من حكماء اليونان وغيرهم من أصحاب المكاشفات وأصحاب الحكمة الإشراقية وقد يسمّونها الذّوق . أو عن اقتداء بمرشد معصوم كما كان عليه أصحاب الرّسل والأنبياء وخيرة أممهم ؛ فلا جرم كان أكثر من في الأرض ضالّين وكان المهتدون قلّة ، فمن اتبعهم أضلّوه .
والآية لم تقتض أنّ أكثر أهل الأرض مُضِلّون ، لأنّ معظم أهل الأرض غير متصدّين لإضلال النّاس ، بل هم في ضَلالهم قانعون بأنفسهم ، مقبلون على شأنهم ؛ وإنَّما اقتضت أنّ أكثرهم ، إنْ قَبِل المسلم قَولهم ، لم يقولوا له إلاّ ما هو تضليل ، لأنّهم لا يُلقون عليه إلاّ ضلالهم . فالآية تقتضي أنّ أكثر أهل الأرض ضالّون بطريق الالتزام لأنّ المهتدي لا يُضِلّ مُتبعه وكلّ إناء يرشح بما فيه .
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى في آية ( 100 ) سورة العقود : { قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث } واعلم أنّ هذا لا يشمل أهل الخطأ في الاجتهاد من المسلمين ، لأنّ المجتهد في مسائل الخلاف يتطلّب مصادفة الصّواب باجتهاده ، بتتبع الأدلة الشرعية ولا يزال يبحث عن معارض اجتهاده وإذا استبان له الخطأ رجع عن رأيه ، فليس في طاعته ضلال عن سبيل الله لأنّ من سبيل الله طُرق النّظر والجدللِ في التفقّه في الدّين .
وقوله : { يضلوك عن سبيل الله } تمثيل لحال الدّاعي إلى الكفر والفساد مَن يَقْبَل قولَه ، بحال من يُضلّ مستهديه إلى الطريق ، فينعت له طريقاً غير الطّريق الموصّلة ، وهو تمثيل قابل لتوزيع التّشبيه : بأنّ يشبّه كلّ جزء من أجزاء الهيئة المشبَّهة بجزء من أجزاء الهيئة المشبَّة بِها ، وإضافة السبيل إلى اسم الله قرينة على الاستعارة ، وسبيل الله هو أدلّة الحقّ ، أو هو الحقّ نفسه .
ثمّ بيّن الله سبب ضلالهم وإضلالهم : بأنّهم ما يعتقدون ويدينون إلاّ عقائد ضالّة ، وأدياناً سَخيفة ، ظنّوها حقّا لأنّهم لم يستفرغوا مقدرة عقولهم في ترسُّم أدلّة الحقّ فقال : { إن يتبعون إلا الظن } .
والاتّباع : مجاز في قبول الفكر لما يقال وما يخطر للفكر : من الآرَاء والأدلّة وتقلّد ذلك . فهذا أتمّ معنى الاتّباع ، على أنّ الاتّباع يطلق على عمل المرء برأيه كأنّه يتبعه .
والظنّ ، في اصطلاح القرآن ، هو الاعتقاد المخطىء عن غير دليل ، الّذي يحسبه صاحبه حقّا وصحيحاً ، قال تعالى : { وما يتّبع أكثرهم إلاّ ظنّاً إنّ الظنّ لا يغنى من الحقّ شيئاً } [ يونس : 36 ] ومنه قول النّبي صلى الله عليه وسلم « إيّاكم والظَّنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث » وليس هو الظنّ الّذي اصطلح عليه فقهاؤنا في الأمور التّشريعية ، فإنَّهم أرادوا به العلم الرّاجح في النّظر ، مع احتمال الخطأ احتمالاً مرجوحاً ، لتعسّر اليقين في الأدلّة التّكليفيّة ، لأنّ اليقين فيها : إن كان اليقينَ المراد للحكماء ، فهو متوقّف على الدّليل المنتهي إلى الضّرورة أو البرهان ، وهما لا يجريان إلاّ في أصول مسائل التّوحيد ، وإن كان بمعنى الإيقان بأنّ الله أمر أو نهى ، فذلك نادر في معظم مسائل التّشريع ، عدا ما علم من الدّين بالضرورة أو حصل لصاحبه بالحسّ ، وهو خاصّ بما تلقّاه بعض الصّحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة ، أو حصل بالتّواتر . وهو عزيز الحصول بعد عصر الصّحابة والتّابعين ، كما عُلم من أصول الفقه .
وجملة : { إن يتبعون إلا الظن } استئناف بياني ، نشأ عن قوله : { يضلوك عن سبيل الله } فبيّن سبب ضلالهم : أنّهم اتَّبعوا الشّبهة ، من غير تأمّل في مفاسدها ، فالمراد بالظنّ ظنّ أسلافهم ، كما أشعر به ظاهر قوله : { يتبعون } .
وجملة { وإن هم إلا يخرصون } عطف على جملة : { إن يتبعون إلا الظن } . ووجود حرف العطف يمنع أن تكون هذه الجملة تأكيداً للجملة التي قبلها ، أو تفسيراً لها ، فتعيّن أنّ المراد بهذه الجملة غير المراد بجملة : { إن يتبعون إلا الظن } .
وقد تردّدت آراء المفسّرين في محمل قوله : { وإن هم إلا يخرصون } ؛ فقيل : يَخرصون يكذبون فيما ادّعوا أنّ ما اتَّبعوه يقين ، وقيل : الظن ظنّهم أنّ آباءهم على الحقّ . والخرص : تقديرهم أنفسهم على الحقّ .
والوجه : أنّ محمل الجملة الأولى على ما تلقّوه من أسلافهم ، كما أشعر به قوله : { يتبعون } ، وأنّ محمل الجملة الثّانية على ما يستنبطونه من الزّيادات على ما ترك لهم أسلافهم وعلى شبهاتهم التي يحسبونها أدلّة مفحمة ، كقولهم : « كيف نأكل مَا قتلناه وقتله الكلب والصّقر ، ولا نأكل ما قتله الله » كما تقدم آنفاً ، كما أشعر به فعل : { يخرصون } من معنى التّقدير والتّأمّل .
والخَرْص : الظنّ الناشىء عن وِجدان في النّفس مستند إلى تقريب ، ولا يستند إلى دليل يشترك العقلاء فيه ، وهو يرادف : الحزرَ ، والتّخمين ، ومنه خرص النّخل والكرْم ، أي تقدير ما فيه من الثّمرة بحسب ما يجده النّاظر فيما تعوّدهُ . وإطلاق الخرص على ظنونهم الباطلة في غاية الرشاقة لأنّها ظنون لا دليل عليها غير ما حَسُن لظانِّيها . ومن المفسّرين وأهل اللّغة من فسّر الخرص بالكذب ، وهو تفسير قاصر ، نظرَ أصحابُه إلى حاصل ما يفيده السّياق في نحو هذه الآية ، ونحو قوله : { قُتل الخرّاصون } [ الذاريات : 10 ] ؛ وليس السّياق لوصف أكثر من في الأرض بأنّهم كاذبون ، بل لوصمهم بأنَّهم يأخذون الاعتقاد من الدّلائل الوهميّة ، فالخرص ما كان غير علم ، قال تعالى : { ما لهم بذلك من علم إن هم إلاّ يخرصون } [ الزخرف : 20 ] ، ولو أريد وصفهم بالكذب لكان لفظ ( يكذبون ) أصرح من لفظ { يخرصون } .
واعلم أنّ السّياق اقتضى ذمّ الاستدلال بالخرص ، لأنّه حزر وتخمين لا ينضبط ، ويعارضه ما ورد عن عتاب بن أسيد قال : « أمرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص التّمر » . فأخذ به مالك ، والشّافعي ، ومحمله على الرخصة تيسيراً على أرباب النّخيل والكروم لينتفعوا بأكل ثمارهم رطبة ، فتؤخذ الزّكاة منهم على ما يقدره الخرص ، وكذلك في قسمة الثّمار بين الشّركاء ، وكذلك في العَريَّة يشتريها المُعري ممن أعراه ، وخالف أبو حنيفة في ذلك وجعل حديث عتاب منسوخاً .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وإن تطع} يا محمد {أكثر من في الأرض}، يعني أهل مكة حين دعوه إلى ملة آبائه، {يضلوك عن سبيل الله}، يعني يستنزلوك عن دين الإسلام، {إن يتبعون إلا الظن وإن هم}، يعني وما هم {إلا يخرصون} الكذب...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تطع هؤلاء العادلين بالله الأنداد يا محمد فيما دعوك إليه من أكل ما ذبحوا لآلهتهم، وأهلّوا به لغير ربهم، وأشكالهَم من أهل الزيغ والضلال، فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن دين الله ومحجة الحقّ والصواب فيصدّوك عن ذلك.
وإنما قال الله لنبيه:"وَإنْ تُطِعْ أكْثَرَ مَنْ فِي الأرْض" من بني آدم، لأنهم كانوا حينئذ كفارا ضلالاً، فقال له جلّ ثناؤه: لا تطعهم فيما دعوك إليه، فإنك إن تطعهم ضللت ضلالهم وكنت مثلهم لأنهم لا يدعونك إلى الهدى وقد أخطأوه.
ثم أخبر جلّ ثناؤه عن حال الذين نهى نبيه عن طاعتهم فيما دعوه إليه في أنفسهم، فقال: "إن يَتّبِعُونَ إلاّ الظّنّ "فأخبر جلّ ثناؤه أنهم من أمرهم على ظنّ عند أنفسهم، وحسبان على صحة عزم عليه وإن كان خطأ في الحقيقة.
{وَإنْ هُمْ إلاّ يَخْرُصُونَ} يقول: ما هم إلا متخرّصون يظنون ويوقعون حزرا لا يقين علم، يقال منه: خَرَصَ يَخْرُصُ خَرْصا وخِرْصا: أي كذب، وتخرّص بظنّ وتخرّص بكذب...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أهلُ الله قليلون عدداً وإن كانوا كثيرين وزناً وخَطَراً، وأمَّا الأعداء ففيهم كثرة. فإنْ لاحظْتَهُم -يا محمد- فَتَنُوكَ، وإنْ صاحبتهم منعوك عن الحق وقلبوكَ...
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
{إن يتبعون إلا الظن}، يريد أن دينهم الذي هم عليه ظن وهوىً، لم يأخذوه عن بصيرة...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
... فامض يا محمد لما أمرت به، وأنفذ لرسالتك، فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك. وذكر {أكثر} لأن أهل الأرض حينئذ كان أكثرهم كافرين ولم يكن المؤمنون إلا قلة...
اعلم أنه تعالى لما أجاب عن شبهات الكفار ثم بين بالدليل صحة نبوة محمد عليه الصلاة والسلام بين أن بعد زوال الشبهة وظهور الحجة لا ينبغي أن يلتفت العاقل إلى كلمات الجهال، ولا ينبغي أن يتشوش بسبب كلماتهم الفاسدة فقال: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} وهذا يدل على أن أكثر أهل الأرض كانوا ضلالا، لأن الإضلال لا بد وأن يكون مسبوقا بالضلال. واعلم أن حصول هذا الضلال والإضلال لا يخرج عن أحد أمور ثلاثة: أولها: المباحث المتعلقة بالإلهيات، فإن الحق فيها واحد، وأما الباطل ففيه كثرة، ومنها القول بالشرك إما كما تقوله الزنادقة وهو الذي أخبر الله عنه في قوله: {وجعلوا لله شركاء الجن} وإما كما يقوله عبدة الكواكب. وإما كما يقوله عبدة الأصنام.
وثانيها: المباحث المتعلقة بالنبوات؛ إما كما يقوله من ينكر النبوة مطلقا أو كما يقوله من ينكر النشر، أو كما يقوله من ينكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ويدخل في هذا الباب المباحث المتعلقة بالمعاد. وثالثها: المباحث المتعلقة بالأحكام، وهي كثيرة، فإن الكفار كانوا يحرمون البحائر والسوائب والوصائل ويحللون الميتة، فقال تعالى: {وإن تطع أكثر من في الأرض} فيما يعتقدونه من الحكم على الباطل بأنه حق، وعلى الحق بأنه باطل يضلوك عن سبيل الله، أي عن الطريق والمنهج الصدق.
ثم قال: {إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: المراد أن هؤلاء الكفار الذين ينازعونك في دينك ومذهبك غير قاطعين بصحة مذاهبهم، بل لا يتبعون إلا الظن وهم خراصون كذابون في ادعاء القطع وكثير من المفسرين يقولون: المراد من ذلك الظن رجوعهم في إثبات مذاهبهم إلى تقليد أسلافهم لا إلى تعليل أصلا.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وإلى جانب تقرير أن "الحق "هو ما تضمنه الكتاب الذي أنزله الله، يقرر أن ما يقرره البشر وما يرونه إن هو إلا اتباع الظن الذي لا يقين فيه؛ واتباعه لا ينتهي إلا الى الضلال. وأن البشر لا يقولون الحق ولا يشيرون به إلا إذا أخذوه من ذلك المصدر الوحيد المستيقن؛ ويحذر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطيع الناس في شيء يشيرون به عليه من عند أنفسهم؛ مهما بلغت كثرتهم؛ فالجاهلية هي الجاهلية مهما كثر أتباعها الضالون:
(وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله. إن يتبعون إلا الظن، وإن هم إلا يخرصون)..
ولقد كان أكثر من في الأرض -كما هو الحال اليوم بالضبط- من أهل الجاهلية.. لم يكونوا يجعلون الله هو الحكم في أمرهم كله، ولم يكونوا يجعلون شريعة الله التي في كتابه هي قانونهم كله. ولم يكونوا يستمدون تصوراتهم وأفكارهم، ومناهج تفكيرهم ومناهج حياتهم من هدى الله وتوجيهه.. ومن ثم كانوا -كما هو الحال اليوم- في ضلالة الجاهلية؛ لا يملكون أن يشيروا برأي ولا بقول ولا بحكم يستند على الحق ويستمد منه؛ ولا يقودون من يطيعهم ويتبعهم إلا الى الضلال.. كانوا -كما هم اليوم- يتركون العلم المستيقن ويتبعون الظن والحدس.. والظن والحدس لا ينتهيان إلا الى الضلال.. وكذلك حذر الله رسوله من طاعتهم واتباعهم كي لا يضلوا عن سبيل الله.. هكذا على وجه الإجمال. وإن كانت المناسبة الحاضرة حينذاك كانت هي مناسبة تحريم بعض الذبائح وتحليل بعضها كما سيجئ في السياق..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أُعقِب ذكرُ عناد المشركين، وعداوتِهم للرسول صلى الله عليه وسلم وولايتهم للشّياطين، ورضاهم بما توسوس لهم شياطين الجنّ والإنس، واقترافهم السيّئات طاعة لأوليائهم، وما طَمْأن به قلب الرّسول صلى الله عليه وسلم من أنّه لقي سنّة الأنبياء قبلَه من آثار عداوة شياطين الإنس والجنّ، بذكر ما يهون على الرّسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين ما يرونه من كثرة المشركين وعزّتهم، ومن قلّة المسلمين وضعفهم، مع تحذيرهم من الثّقة بقولهم، والإرشاد إلى مخالفتهم في سائر أحوالهم، وعدم الإصغاء إلى رأيهم، لأنَّهم يُضِلّون عن سبيل الله، وأمرِهم بأن يلزموا ما يرشدهم الله إليه. فجملة: {وإن تطع} متّصلة بجملة: {وكذلك جعلنا لكل نبيء عدوّا شياطين الإنس والجنّ} [الأنعام: 112] وبجملة: {أفغير الله أبتغي حكماً} [الأنعام: 114] وما بعدها إلى: {وهو السميع العليم} [الأنعام: 115].
والخطاب للنّبي صلى الله عليه وسلم والمقصود به المسلمون مثل قوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطنّ عملك} [الزمر: 65].
وجيء مع فعل الشّرط بحرف (إنْ) الّذي الأصل فيه أن يكون في الشّرط النّادر الوقوع، أو الممتنع إذا كان ذكره على سبيل الفرض كما يفرض المحال، والظاهر أنّ المشركين لمّا أيسوا من ارتداد المسلمين، كما أنبأ بذلك قوله تعالى: {قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرّنا} [الأنعام: 71] الآية، جَعلوا يلقون على المسلمين الشُبه والشكوك في أحكام دينهم، كما أشار إليه قوله تعالى عقب هذا: {وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإنْ أطعتموهم إنّكم لمشركون} [الأنعام: 121]...
والطاعة: اسم للطّوع الّذي هو مصدر طاع يطوع، بمعنى انقاد وفَعَل ما يؤمر به عن رضى دون ممانعة، فالطاعة ضدّ الكره. ويقال: طاع وأطاع، وتستعمل مجازاً في قبول القول، ومنه ما جاء في الحديث:"فإن هم طاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم زكاة أموالهم". ومنه قوله تعالى: {ولا شفيعٍ يُطاع} [غافر: 18] أي يُقبل قوله، وإلاّ فإنّ المشفوع إليه أرفع من الشفيع فليس المعنى أنّه يمتثل إليه. والطاعة هنا مستعملة في هذا المعنى المجازي وهو قبول القول.
و {أكثر من في الأرض} هم أكثر سكّان الأرض. والأرض: يطلق على جميع الكرة الأرضية الّتي يعيش على وجهها الإنسان والحيوان والنّبات، وهي الدّنيا كلّها. ويطلق الأرض على جزء من الكرة الأرضيّة معهود بين المخاطبين وهو إطلاق شائع كما في قوله تعالى: {وقُلنا مِن بعده لبني إسرائيل اسكُنُوا الأرض} [الإسراء: 104] يعني الأرض المقدّسة، وقولِه: {أو يُنْفَوْا من الأرض} [المائدة: 33] أي الأرض الّتي حاربوا الله فيها. والأظهر أنّ المراد في الآية المعنى المشهور وهو جميع الكرة الأرضية كما هو غالب استعمالها في القرآن. وقيل: أريد بها مكّة لأنّها الأرض المعهودة للرّسول عليه الصلاة والسلام. وأيّاً مّا كان فأكثر من في الأرض ضالّون مضلّون: أمّا الكرة الأرضية فلأنّ جمهرة سكّانها أهل عقائد ضالّة، وقوانين غير عادلة...
وقوله: {يضلوك عن سبيل الله} تمثيل لحال الدّاعي إلى الكفر والفساد مَن يَقْبَل قولَه، بحال من يُضلّ مستهديه إلى الطريق، فينعت له طريقاً غير الطّريق الموصّلة... وسبيل الله هو أدلّة الحقّ، أو هو الحقّ نفسه.
ثمّ بيّن الله سبب ضلالهم وإضلالهم: بأنّهم ما يعتقدون ويدينون إلاّ عقائد ضالّة، وأدياناً سَخيفة، ظنّوها حقّا لأنّهم لم يستفرغوا مقدرة عقولهم في ترسُّم أدلّة الحقّ فقال: {إن يتبعون إلا الظن}.
والاتّباع: مجاز في قبول الفكر لما يقال وما يخطر للفكر: من الآرَاء والأدلّة وتقلّد ذلك. فهذا أتمّ معنى الاتّباع، على أنّ الاتّباع يطلق على عمل المرء برأيه كأنّه يتبعه.
والظنّ، في اصطلاح القرآن، هو الاعتقاد المخطئ عن غير دليل، الّذي يحسبه صاحبه حقّا وصحيحاً، قال تعالى: {وما يتّبع أكثرهم إلاّ ظنّاً إنّ الظنّ لا يغنى من الحقّ شيئاً} [يونس: 36] ومنه قول النّبي صلى الله عليه وسلم « إيّاكم والظَّنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث» وليس هو الظنّ الّذي اصطلح عليه فقهاؤنا في الأمور التّشريعية، فإنَّهم أرادوا به العلم الرّاجح في النّظر، مع احتمال الخطأ احتمالاً مرجوحاً، لتعسّر اليقين في الأدلّة التّكليفيّة،...
وجملة: {إن يتبعون إلا الظن} استئناف بياني، نشأ عن قوله: {يضلوك عن سبيل الله} فبيّن سبب ضلالهم: أنّهم اتَّبعوا الشّبهة، من غير تأمّل في مفاسدها، فالمراد بالظنّ ظنّ أسلافهم، كما أشعر به ظاهر قوله: {يتبعون}...
وقد تردّدت آراء المفسّرين في محمل قوله: {وإن هم إلا يخرصون}؛ فقيل: يَخرصون يكذبون فيما ادّعوا أنّ ما اتَّبعوه يقين، وقيل: الظن ظنّهم أنّ آباءهم على الحقّ. والخرص: تقديرهم أنفسهم على الحقّ.
والوجه: أنّ محمل الجملة الأولى على ما تلقّوه من أسلافهم، كما أشعر به قوله: {يتبعون}، وأنّ محمل الجملة الثّانية على ما يستنبطونه من الزّيادات على ما ترك لهم أسلافهم وعلى شبهاتهم التي يحسبونها أدلّة مفحمة... كما أشعر به فعل: {يخرصون} من معنى التّقدير والتّأمّل.
والخَرْص: الظنّ الناشئ عن وِجدان في النّفس مستند إلى تقريب، ولا يستند إلى دليل يشترك العقلاء فيه، وهو يرادف: الحزرَ والتّخمين، ومنه خرص النّخل والكرْم، أي تقدير ما فيه من الثّمرة بحسب ما يجده النّاظر فيما تعوّدهُ. وإطلاق الخرص على ظنونهم الباطلة في غاية الرشاقة لأنّها ظنون لا دليل عليها غير ما حَسُن لظانِّيها. ومن المفسّرين وأهل اللّغة من فسّر الخرص بالكذب، وهو تفسير قاصر، نظرَ أصحابُه إلى حاصل ما يفيده السّياق في نحو هذه الآية، ونحو قوله: {قُتل الخرّاصون} [الذاريات: 10]؛ وليس السّياق لوصف أكثر من في الأرض بأنّهم كاذبون، بل لوصمهم بأنَّهم يأخذون الاعتقاد من الدّلائل الوهميّة، فالخرص ما كان غير علم، قال تعالى: {ما لهم بذلك من علم إن هم إلاّ يخرصون} [الزخرف: 20]، ولو أريد وصفهم بالكذب لكان لفظ (يكذبون) أصرح من لفظ {يخرصون}...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
إن قوة الحق ليست بكثرة من يقولون، وإنما قوته بقوة دليله فلا تطع الأكثرين لأنهم الكثرة بل أطعمهم لقوة ما عندهم من دليل، فالآية تدعو إلى اتباع العقل والمنطق واليقين وليس اتباع الكثرة لأنها كثرة، وقد ذكر الله تعالى عن كثرة ضلت وقلة اهتدت فقال تعالى مثلا لذلك: (ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين 71) (الصافات) وقال تعالى: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين 103) (يوسف)... وليس الحق دائما مع الكثرة، بل قد تكون الكثرة على غير الحق بل إنه ثبت من التحليل للعقلية الجماعية أنها لا تدرك ما يدركه المتفكر في خاصة نفسه وذلك لأن الجماعات تغلب عليها العاطفة الجماهيرية ولا يكون مجال لتمحيصها، ولعل هذا هو ما يرمي إليه النص القرآني في وصف تفكير أكثر من في الأرض إذ يقول سبحانه (إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون)...
ومهما يكن فإن الآية الكريمة تدل على أمرين:
أولهما: أن الاتباع عن غير بينة لا يجوز، بل إنه يجب النظر والبحث، وأن اتباع الجماعات من غير دراسة لا يجوز، وأن الجماعات يغلب على تفكيرها الحدس والتخمين ولا يسودها التفكير والدرس العميق والمنطق السليم. ثانيهما: أن قوة الآراء ليست بكثرة معتنقيها، وإنما بقوة ما فيها من دليل...