لمَّا أجاب عن شُبَه الكُفَّار ، وبيَّن صحَّة نُبُوة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم بالدليل ، بيَّن بعد زوال الشُّبْهة ، وظهور الحُجَّة ، أنه لا يَنْبَغِي للعَاقِل أن يَلْتَفِت إلى كَلِمات الجُهَّال ، وهذه الآية الكريمة تَدُلُّ على أنَّ أكْثَر أهْلِ الأرْض كانوا ضُلالاً .
وقي إنَّهم جادلُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم والمُؤمنين في أكل المَيْتَة ، فقالُوا : تأكلون ما تَقْتُلون ، ولا تأكلون ما قَتَلَه اللَّه ، فقال الله - تعالى- : { وإن تُطِع أكْثر مَنْ فِي الأرْض } أي : أن تُطِعْهُم في أكل المَيْتَة ، يُضِلُّوك عن سَبيل اللَّه ، أي : عن الطَّرِيق الحقِّ ، ثم قال : " إن يَتِّبِعُون إلا الظَّنَّ " يريد : أنَّ دينَهُم الذي هُم عليه ظَنٌّ ، وهوى لم يأخُذُوه على بَصِيرة " وإنْ هُمْ إلاَّ يَخْرُصُون " : يكْذِبُون في ادِّعاء القَطْع .
تمسَّك نُفَاة القِيَاس بهذه الآية الكريمة ؛ لأن اللَّه -تبارك وتعالى- بَالَغ في ذَمِّ الكُفَّار في كَثِير من آيَات القُرْآن العَظِيم بكونهم مُتَّبِعين للظَّن ، والشِّيء الذَّي جعله اللَّه -تبارك وتعالى- موجباً للذَّمِّ ، [ لا بد وأن يكون في أقْصَى مَراتِب الذَّمِّ ، والعمل بالقياس يُوجِب اتِّبَاع الظَّنِّ ، فوجب كَوْنه مَذْمُوماً ]{[15051]} محرماً لا يُقَال : لما ورد الدَّليل القَاطِع بكونه حُجَّة ، كان العمل به عملاً بِدَليل مقطوع ، لا بدليل مظنون ؛ لأن هذا مدفوع من وجوه : الأول : أن ذلك الدليل القَاطِع : إمَّا أن يَكُون عَقْلِيّاً ، أو سَمْعِياً ، والأوّل بَاطِل ؛ لأنَّ العَقْل لا مَجَال له في أنَّ العمل بالقِيَاس جَائِزٌ ، أو غير جَائِز ، ولاسيَّما عند مَن يُنْكِر تَحْسين العَقْل وتَقْبيحه .
والثاني أيضاً بَاطِل ؛ لأن الدَّلِيل السَّمْعِي إنَّما يكون قَاطِعاً لَوْ كان مُتَوَاتِراً ، وكانت الدَّلالة قَاطِعَ’ غير مُحْتَمَلة لوجه آخَر سوى هذا المَعْنَى الوَاحِد ، ولو حَصَل مِثُل هذا الدَّلِيل ، لعلم النَّاس بالضَّرُورةَ كون القِيَاس حُجَّة ، ولارتفع الخلاف فيه ، فَحَيْث لم يُوجَد ذلك ، عَلِمْنا أن الدَّليل القَاطِع على صحَّة القياس مفقُود .
الثاني : هب أنه الدَّليلُ القاطع على أن القياس حُجَّة ، إلاَّ أنَّ ذلك لا يتم العمل بالقياس إلاَّ مع اتِّباع الظَّنِّ ؛ لأن التَّمسُّك بالقياس مَبْنَيُّ على مَقَامَيْن .
أحدهما : أن الحُكْم في محلِّ الوِفَاق معلِّلٌ بِكَذا .
والثاني : أن ذلك المَعْنَى حاصل في محلِّ الخلاف ، فهذان المقامان إن كانَا مَعلُومَيْن على سَبيل القَطْع واليَقِين ، فهذا ممَّا لا خِلاف في صِحَّته بين العُقلاء ، وإن كان مَجْمُوعُهُمَا أو كان أحدهما ظَنِّيّاً ؛ فحينئذٍ لا يتمُّ العمل بهذا القياسِ إلاَّ بِمُتَابَعة الظَّنِّ ، وحينئذٍ يدخل تحت النَّصِّ الدَّال على أنَّ متابعة الظّنِّ مَذْمُومة .
والجواب : لم لا يجوز أن يُقال : إن الظَّنِّ عبارة عن الاعْتِقَاد الرَّاجِح إذا لم يُسْنَد إلى أمَارة ، [ وهو مثل اعتقاد الكُفَّار أمَّا إذا كان الاعْتِقَاد الرَّاجِحُ مستنداً إلى أمارة ]{[15052]}
فهذا الاعتقادِ لا يُسَمَّى ظنَّا ، وبهذا الطَّريق سَقَط الاسْتِدلال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.