المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ فِي ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِ وَيَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (91)

91- إن الشيطان لا يريد بتزيينه لكم شرب الخمر ولعب الميسر إلا أن يوجد بينكم الخلاف والشقاق والكراهية ، ليضعف أمركم بذهاب الألفة بينكم ، وتفتيت وحدتكم ، بسبب ما يزينه لكم من شرب المسكرات ولعب القمار ، لكي يصرفكم عن عبادة الله ، ويلهيكم عن أداء الصلاة ، لتسوء آخرتكم كما ساءت دنياكم . فبعد علمكم هذه المفاسد ابتعدوا عما نهيتكم عنه ، لتفوتوا على إبليس غرضه{[57]} .


[57]:ذكر الله سبحانه وتعالى في الخمر والميسر في هذه الآية أمورا أربعة أوجبت تحريمها: أولها: أنها خبث وشر في ذاته إذ لا يمكن أن توصف بالخير، لأن عنصر الضرر فيها واضح ففي الخمر فساد العقل، وفي الميسر فساد المال، وفيهما معا فساد القلب والشيطان هو الذي يحسنهما. ثانيها: أنها تنشر العداوة والبغضاء، فالميسر كثيرا ما ينتهي إلى نزاع، وإذا لم ينته إليه فإنه يثير الحقد والضغينة، والخمر أم الكبائر، وعلة تحريم الخمر تنحصر في الآتي: أن الله كرم الإنسان بالعقل بأن جعل له خلايا إرادية عليا في المخ تهيمن على الإرادة والذكاء والتمييز وكل الصفات العليا في الإنسان، والخمر خاصة والمخدرات عامة تعمل عملها في هذه المراكز فتبطلها، إما مؤقتا أو دائما حسب التأثر بالمشروب أو غيره وعند تنشيط وتعويق هذه المراكز عن العمل تطغى المراكز التي هي دونها فينفعل الإنسان بها، فإما أن يطغى أو يتعدى، وإما أن يفتر ويخمد، وهذا معناه فقد التوازن العقلي، وبالتالي تتأثر الأعمال، وكذلك تؤثر الخمر تأثيرا سيئا على الجهاز الهضمي والدوري وعلى الكلى والكبد وأخطر هذه جميعا التأثير على الكبد بتليفه. ثالثها: أنه إذا فقد الاتزان انصرف العبد عن ذكر الله الذي تحيا به القلوب. رابعها: وبالتالي فهي تصد عن الصلاة لأنها تنسى المؤمن الصلاة وكيفية أدائها على الوجه الأكمل، وتحريم القليل ولو لم يسكر سببه الخوف من التعود والتمادي الذي ينتهي بالإدمان. وعن الخمر قد أجمعت المذاهب الإسلامية على أنها كل مشروب أو غير مشروب يسكر في ذاته استنادا إلى حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: الذي يقول فيه: [كل مسكر خمر وكل خمر حرام] وإلى ما أخرجه أبو داود في صحيحه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن كل مسكر ومفتر.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ فِي ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِ وَيَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (91)

{ 90 ، 91 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ }

يذم تعالى هذه الأشياء القبيحة ، ويخبر أنها من عمل الشيطان ، وأنها رجس . { فَاجْتَنِبُوهُ } أي : اتركوه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فإن الفلاح لا يتم إلا بترك ما حرم الله ، خصوصا هذه الفواحش المذكورة ، وهي الخمر وهي : كل ما خامر العقل أي : غطاه بسكره ، والميسر ، وهو : جميع المغالبات التي فيها عوض من الجانبين ، كالمراهنة ونحوها ، والأنصاب التي هي : الأصنام والأنداد ونحوها ، مما يُنصب ويُعبد من دون الله ، والأزلام التي يستقسمون بها ، فهذه الأربعة نهى الله عنها وزجر ، وأخبر عن مفاسدها الداعية إلى تركها واجتنابها . فمنها : أنها رجس ، أي : خبث ، نجس معنى ، وإن لم تكن نجسة حسا .

والأمور الخبيثة مما ينبغي اجتنابها وعدم التدنس بأوضارها . ومنها : أنها من عمل الشيطان ، الذي هو أعدى الأعداء للإنسان .

ومن المعلوم أن العدو يحذر منه ، وتحذر مصايده وأعماله ، خصوصا الأعمال التي يعملها ليوقع فيها عدوه ، فإنها فيها هلاكه ، فالحزم كل الحزم البعد عن عمل العدو المبين ، والحذر منها ، والخوف من الوقوع فيها .

ومنها : أنه لا يمكن الفلاح للعبد إلا باجتنابها ، فإن الفلاح هو : الفوز بالمطلوب المحبوب ، والنجاة من المرهوب ، وهذه الأمور مانعة من الفلاح ومعوقة له .

ومنها : أن هذه موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس ، والشيطان حريص على بثها ، خصوصا الخمر والميسر ، ليوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء .

فإن في الخمر من انغلاب العقل وذهاب حجاه ، ما يدعو إلى البغضاء بينه وبين إخوانه المؤمنين ، خصوصا إذا اقترن بذلك من السباب ما هو من لوازم شارب الخمر ، فإنه ربما أوصل إلى القتل . وما في الميسر من غلبة أحدهما للآخر ، وأخذ ماله الكثير في غير مقابلة ، ما هو من أكبر الأسباب للعداوة والبغضاء .

ومنها : أن هذه الأشياء تصد القلب ، ويتبعه البدن عن ذكر الله وعن الصلاة ، اللذين خلق لهما العبد ، وبهما سعادته ، فالخمر والميسر ، يصدانه عن ذلك أعظم صد ، ويشتغل قلبه ، ويذهل لبه في الاشتغال بهما ، حتى يمضي عليه مدة طويلة وهو لا يدري أين هو .

فأي معصية أعظم وأقبح من معصية تدنس صاحبها ، وتجعله من أهل الخبث ، وتوقعه في أعمال الشيطان وشباكه ، فينقاد له كما تنقاد البهيمة الذليلة لراعيها ، وتحول بين العبد وبين فلاحه ، وتوقع العداوة والبغضاء بين المؤمنين ، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة ؟ " فهل فوق هذه المفاسد شيء أكبر منها ؟ "

ولهذا عرض تعالى على العقول السليمة النهي عنها ، عرضا بقوله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } لأن العاقل -إذا نظر إلى بعض تلك المفاسد- انزجر عنها وكفت نفسه ، ولم يحتج إلى وعظ كثير ولا زجر بليغ .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ فِي ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِ وَيَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (91)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا يُرِيدُ الشّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مّنتَهُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : إنما يريد لكم الشيطان شرب الخمر والمياسرة بالقداح ويحسن ذلك لكم إرادة منه أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في شربكم الخمر ومياسرتكم بالقداح ، ليعادي بعضكم بعضا ، ويبغّضَ بعضكم إلى بعض ، فيشتت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان وجمعه بينكم بأخوة الإسلام . ويَصُدّكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله يقول : ويصرفكم بغلبة هذه الخمر بسكرها إياكم عليكم ، وباشتغالكم بهذا الميسر عن ذكر الله الذي به صلاح دنياكم وآخرتكم ، وعن الصلاة التي فرضها عليكم ربكم . فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ يقول : فهل أنتم منتهون عن شرب هذه ، والمياسرة بهذا ، وعاملون بما أمركم به ربكم من أداء ما فرض عليكم من الصلاة لأوقاتها ، ولزوم ذكره الذي به نجح طلباتكم في عاجل دنياكم وآخرتكم .

واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الاية ، فقال بعضهم : نزلت بسبب كان من عمر بن الخطاب ، وهو أنه ذكر مكروه عاقبة شربها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسأل الله تحريمها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، قال : قال عمر : اللهمّ بين لنا في الخمر بيانا شافيا قال : فنزلت الاية التي في البقرة : يَسألُونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ للنّاسِ قال : فدُعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهمّ بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الاية في النساء : لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وأنْتُمْ سُكارَى حتى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ . قال : وكان منادي النبيّ صلى الله عليه وسلم ينادي إذا حضرت الصلاة : لا يقربنّ الصلاة السكران قال : فدُعي عمر ، فقرئت عليه ، فقال : اللهمّ بين لنا في الخمر بيانا شافيا قال : فنزلت الاية التي في المائدة : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ والأنْصَابُ والأزْلامُ رِجْسٌ . . . إلى قوله : فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ فلما انتهى إلى قوله : فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ قال عمر : انتهينا انتهينا .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، قال : قال عمر : اللهمّ بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فإنها تذهب بالعقل والمال ثم ذكر نحو حديث وكيع .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن زكريا ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، قال : قال عمر بن الخطاب : اللهمّ بين لنا فذكر نحوه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عمر بن الخطاب ، مثله .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عمر بن الخطاب ، مثله .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : ثني أبو معشر المدني ، عن محمد بن قيس ، قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه الناس ، وقد كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر ، فسألوه عن ذلك ، فأنزل الله تعالى : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إثْمٌ كَبِيرٌ وَمنَافِعُ للناسِ وإثْمُهُماأكبرُ مِنْ نَفْعِهِما فقالوا : هذا شيء قد جاء فيه رخصة ، نأكل الميسر ونشرب الخمر ، ونستغفر من ذلك . حتى أتى رجل صلاة المغرب ، فجعل يقرأ : قل يا أيها الكافرون ، أعبد ما تعبدون ، ولا أنتم عابدون ما أعبد . فجعل لا يجوّد ذلك ولا يدري ما يقرأ ، فأنزل الله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وأنْتُمْ سُكارَى فكان الناس يشربون الخمر حتى يجيء وقت الصلاة فيدعَون شربها ، فيأتون الصلاة وهم يعلمون ما يقولون . فلم يزالوا كذلك حتى أنزل الله تعالى : إنّمَا الخمْرُ والمَيْسِرُ والأنْصَابُ والأزْلامُ . . . إلى قوله : فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ فقالوا : انتهينا يا رب .

وقال آخرون : نزلت هذه الاَية بسبب سعد بن أبي وقاص ، وذلك أنه كان لاَحَى رجلاً على شراب لهما ، فضربه صاحبه بلَحْيِ جمل ، ففزر أنفه ، فنزلت فيهما . ذكر الرواية بذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة عن سماك بن حرب ، عن مصعب ابن سعد عن أبيه سعد ، أنه قال : صنع رجل من الأنصار طعاما فدعانا ، قال : فشربنا الخمر حتى انتشينا ، فتفاخرت الأنصار وقريش ، فقالت الأنصار : نحن أفضل منكم . قال : فأخذ رجل من الأنصار لحي جمل فضرب به أنف سعد ففزره ، فكان سعد أفزر الأنف . قال : فنزلت هذه الاية : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّمَا الخَمْرُ والمَيْسِرُ . . . إلى آخر الآية .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن مصعب بن سعد ، قال : قال سعد : شربت مع قوم من الأنصار ، فضربت رجلاً منهم أظنّ بفكّ جمل فكسرته ، فأتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فلم ألبث أن نزل تحريم الخمر : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ . . . إلى آخر الاية .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه ، قال : شربت الخمر مع قوم من الأنصار ، فذكر نحوه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحرث أن ابن شهاب أخبره أن سالم بن عبد الله حدثه : أن أوّل ما حرّمت الخمر ، أن سعد بن أبي وقاص وأصحابا له شربوا ، فاقتتلوا ، فكسروا أنف سعد ، فأنزل الله : إنّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ . . . الاية .

وقال آخرون : نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسين بن عليّ الصدائي ، قال : حدثنا حجاج بن المنهال ، قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، عن جبير ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار ، شربوا حتى إذا ثملوا عبث بعضهم ببعض ، فلما أن صحوا جعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته ، فيقول : فعل بي هذا أخي فلان ؛ وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن ؛ والله لو كان بي رءوفا رحيما ما فعل بي هذا حتى وقعت في قلوبهم الضغائن ، فأنزل الله : إنّمَا الخَمْرُ والمَيْسِرُ . . . إلى قوله : فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ . فقال ناس من المتكلفين : هي رجس ، وهي في بطن فلان قتل يوم بدر ، وقتل فلان يوم أحد ، فأنزل الله : لَيْسَ على الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا . . . الاية .

حدثنا محمد بن خلف ، قال : حدثنا سعيد بن محمد الجرمي ، عن أبي تميلة ، عن سلام مولى حفص بن أبي قيس ، عن أبي بريدة ، عن أبيه ، قال : بينما نحن قعود على شراب لنا ونحن نشرب الخمر حلاّ ، إذ قمت حتى آتيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه ، وقد نزل تحريم الخمر : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ والأنْصَابُ والأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ . . . إلى آخر الايتين : فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ ، فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم ، إلى قوله : فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ . قال : وبعض القوم شرْبته في يده قد شرب بعضا وبقي بعض في الإناء ، فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام ، ثم صبوا ما في باطيتهم ، فقالوا : انتهينا ربنا ، انتهينا ربّنا

وقال آخرون : إنما كانت العداوة والبغضاء كانت تكون بين الذين نزلت فيهم هذه الاية بسبب الميسر لا بسبب السكر الذي يحدث لهم من شرب الخمر ، فلذلك نهاهم الله عن الميسر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا جامع بن حماد ، قال : حدثنا يزيد بن زريع قال بشر : وقد سمعته من يزيد وحدثنيه قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان الرجل في الجاهلية يقامر على أهله وماله ، فيقعد حزينا سليبا ينظر إلى ماله في يدي غيره ، فكانت تورث بينهم عداوةً وبغضاء ، فنهى الله عن ذلك وقدّم فيه والله أعلم بالذي يُصْلح خلقه .

والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى قد سمى هذه الأشياء التي سماها في هذه الاية رجسا وأمر باجتنابها .

وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الاية ، وجائز أن يكون نزولها كان بسبب دعاء عمر رضي الله عنه في أمر الخمر ، وجائز أن يكون ذلك كان بسبب ما نال سعدا من الأنصاريّ عند انتشائهما من الشراب ، وجائز أن يكون كان من أجل ما كان يلحق أحدهم عند ذهاب ماله بالقمار من عداوة من يَسَرَه وبغضه . وليس عندنا بأيّ ذلك كان خبر قاطع للعذر ، غير أنه أي ذلك كان ، فقد لزم حكم الاية جميع أهل التكليف ، وغير ضائرهم الجهل بالسبب الذي له نزلت هذه الاية ، فالخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فرض على جميع من بلغته الاية من التكليف اجتناب جميع ذلك ، كما قال تعالى : فاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ فِي ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِ وَيَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (91)

ثم قرر ذلك بأن بيّن ما فيهما من المفاسد الدنيوية والدينية المقتضية للتحريم فقال تعالى :

{ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة } وإنما خصهما بإعادة الذكر وشرح ما فيهما من الوبال تنبيها على أنهما المقصود بالبيان ، وذكر الأنصاب والأزلام للدلالة على أنهما مثلهما في الحرمة والشرارة لقوله عليه الصالة والسلام " شارب الخمر كعابد الوثن " . وخص الصلاة من الذكر بالإفراد للتعظيم ، والإشعار بأن الصاد عنها كالصاد عن الإيمان من حيث إنها عماده والفارق بينه وبين الكفر ، ثم أعاد الحث على الانتهاء بصيغة الاستفهام مرتبا على ما تقدم من أنواع الصوارف فقال : { فهل أنتم منتهون } إيذانا بأن الأمر في المنع والتحذير بلغ الغاية وأن الأعذار قد انقطعت .