وقوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ )
هم في الظاهر لم يجتمعوا على العداوة والبغضاء ، بل يكون اجتماعهم على الإلفة والمودة ، على ذلك يجمعهم في الابتداء . لكن لما شربوا ، وأخذهم الشرب ، وقعت[ في الأصل وم : وقع ] بينهم العداوة . فكان قصده[ من م ، في الأصل : تصدقوا ] إلى جمعهم في الابتداء على المحبة والمودة لما ظهر منه في العاقبة في إيقاع العداوة بينهم وتفريق جمعهم . وهو كقوله تعالى : ( يدعوهم إلى عذاب السعير )[ لقمان21 ] . ولو دعاهم إلى عذاب السعير لكانوا لا يجيبونه ، لكن دعاهم إلى العمل الذي يوجب لهم عذاب السعير .
فعلى ذلك هو يدعوهم إلى الاجتماع في الخمر والميسر إلى ما يوجب ، ويوقع[ في الأصل وم : ويقع ] بينهم العداوة والبغضاء . ففيه أن الأعمال تنظر فيها العواقب كما روي [ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ][ ساقطة من الأصل وم ] : «الأعمال بالخواتيم »[ البخاري : 6607 ] .
وفي الآية دليل تحريم الخمر لأنه قال : ( رجس من عمل الشيطان ) والرجس حرام كقوله تعالى : ( فإنه رجس أو فسقا )[ الأنعام : 145 ] . وكذلك روي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قام ، فخطب الناس ، فقال : «أيها الناس إن الله يعرض على الخمر تعريضا لا أدري لعله سينزل فيها أمر » ثم قال : «يا أهل المدينة قد أنزل تحريم الخمر فمن كتب هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشربها ، ولا يبعها ، فسكبوها في طريق المدينة »[ مسلم1578 ] .
وعن عمر رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال لما نزل تحريم الخمر : اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء ، فنزلت الآية التي في البقرة ( يسألونك عن الخمر والميسر )[ الآية : 219 ] فقرئت عليه ، فقال عمر رضي الله عنه اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء ، فنزلت الآية التي في النساء ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى )[ الآية : 43 ] فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال : لا يقرب الصلاة سكران ، فدعي عمر رضي الله عنه /138-ب/ فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء ، فنزلت الآية التي في المائدة : ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء )[ الآية : 91 ] فدعي عمر رضي الله عنه فقرئت عليه . فلما بلغ : ( فهل أنتم منتهون ) قال انتهينا .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : كنت ساقي القوم ، ونبيذنا تمر وزبيب وبسر ، خلطناه جميعا ، فبينا نحن كذلك ، والقوم يشربون ، إذ دخل علينا رجل من المسلمين ، فقال : ما تصنعون ؟ والله لقد أنزل تحريم الخمر ، فأهرقنا الباطية ، وكفأنا [ كؤوسنا ][ ساقطة من الأصل وم ] ، ثم خرجنا فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر ، يقرأ هذه الآية ، ويكررها ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء ) إلى قوله تعالى : ( فهل أنتم منتهون ) فالخليطان حرام . فأجمع أهل العلم على أن الخمر حرام : قليلها وكثيرها ، وأن عصيرَ العنبِ ، إذا غلي واشتد فصار سكرا ، خمرٌ .
واختلفوا في ما سوى ذلك من الأشربة ؛ فكان أبو حنيفة وأبو يوسف ، رحمهما الله تعالى ، يقولان : ما كان من الأشربة نيئا متخذا من النخلة والعنب فهو حرام كنبيذ البسر والتمر والزبيب ، إذا سكر كثيره ، فهو حرام عندهما . وعلى ذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «الخمر من هاتين الشجرتين : من النخلة والعنب »[ مسلم1985 ] فلا يحرم ، وإن كان نيئا ، إلا المسكر منه ؛ لأن غيرهما من الأشربة قد يتخذ لا للسكر[ في الأصل وم : لهم ] ؛ وإن كان في مكان ، لا يتخذ إلا للسكر ، فهو مكروه قليله وكثيره كالمتخذ من النخلة والعنب .
وكان يقولان : ما كان من الأنبذة مطبوخا فهو حلال ، وإن قل طبخه ، إلا العصير ، فإنه لا يحل بالطبخ حتى يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه . وكانا يفرقان بين العصير وغيره ؛ فإن العصير ليس فيه شيء من غيره ، وإن ترك بحاله على ، فأسكر . فإذا طبخ حتى يذهب ثلثه أو نصفه فهو يغلي ، ويسكر ؛ فلم يخرجه الطبخ من حدة الأول إذا كان قبل أن يطبخ ، وهو الآن يسكر بنفسه إذ لم يجعل فيه شيء غيره .
وسائر ما يتخذ منه الأنبذة ، إن بقيت ، لم[ من م ، في الأصل : لهم ] تشتد ، ولم تسكر حتى يلقى عليه الماء ، ويخلط بها غيره ، فحينئذ يسكر ، فهي مثل العصير إذا ذهب ثلثاه ، وبقي ثلثه ، إن بقي دهرا ، لم يسكر حتى يلقى عليه الماء ، فحينئذ يسكر .
فإذا صار العصير في حال ، إن بقي مدة لم يغل بنفسه ، وهو أن يطبخ حتى يذهب ثلثاه ، فقد ذهب سلطانه .
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا عبيدة ومعاذ بن جبل وأبا طلحة رضي الله عنهما كانوا يشربون من الطلاء ما ذهب ثلثاه ، وبقي ثلثه ، وقد وصفنا فرق أبي حنيفة وأبي يوسف ، رحمهما الله ، بين المطبوخ وبين المثلث والمنصف من العصير .
وأما فرقهم بين المطبوخ ما يتخذ من النخلة والعنب والنيء منه فهو الخمر التي لا خلاف في تحريمها في العصير التي يصير خمرا . فكل ما كان نيئا من الشجرتين اللتين سماهما النبي صلى الله عليه وسلم فهو حرام إذا أسكر . فإذا كان مطبوخا ، فقد عمل فيه ، خرج من حد الخمر .
فإن قيل : يجب أن يقاس ذلك على النيء لأنه يسكر ، وفيه صفات الخمر قيل : الخمر حرمت لعينها لما لا تتخذ إلا للسكر[ في الأصل وم : السكر ] ، ولا يقاس عليها غيرها . وإنما يقاس على ما حرم ، وحل لعلة دون ما حرم بعينه . وأما غيره من الأنبذة فإنما يحرم منه السكر .
ألا ترى أنه في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث أبا موسى إلى اليمن قال أبو موسى : إن شرابنا يقال له : البتع ، فما نشرب منه ؟ وما ندع ؟ قال : «اشربوا ولا تسكروا »[ البيهقي في الكبرى8/298 ] .
وعن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : حرمت الخمر بعينها ، قليلها وكثيرها ، والسكر من كل شراب .
وعن علي رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : فما أسكر من النبيذ ثمان ، وفي الخمر قليلها وكثيرها ثمانون .
فدل قول علي رضي الله عنه في ما أسكر من النبيذ معناه : في السكر ثمانون . وذلك يدل أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : «كل مسكر حرام »[ البخاري4344و4345 ] أن السكر منه حرام .
وعن عمر رضي الله عنه أنه أتي بسكران ، قال : يا أمير المؤمنين إنما نشرب في نبيذك الذي في الإداوة ، فقال عمر رضي الله عنه : لست أضربك على النبيذ ، إنما أضربك على السكر . فهذه الأخبار التي ذكرنا دلت على تحريم الخمر بعينها والسكر من كل شراب .
وقوله تعالى : ( ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ) يدل على تحريمها لأنه إذا سكر صده عن ذكر الله . وعن الصلاة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.