المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ كَذَٰلِكَ يُحۡيِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (73)

73- فقلنا لكم على لسان موسى : اضربوا القتيل بجزء من هذه البقرة ، ففعلتم : فأحيا الله القتيل وذكر اسم قاتله ، ثم سقط ميتاً ، وكانت معجزة من الله لموسى{[3]} .

لأن الله قادر على كل شيء ، وبقدرته هذه يحيى الموتى يوم القيامة ، ويريكم دلائل قدرته لعلكم تعقلونها وتعتبرون بها .


[3]:ذكر بعض الكتاب في عصرنا الحاضر، وهو المرحوم الشيخ عبد الوهاب النجار أن قوله تعالى: {اضربوه ببعضها} المراد بعض أجزاء القتيل، والمراد بإحيائها القصاص له، لأن الضرب ببعض أجزاء المقتول يحمل القاتل على الاعتراف، وكثيرا ما تكون رؤية القتيل باعثة على الاعتراف، وتكون هذه القصة منفصلة عن الأمر بالذبح وأمر الله تعالى بالذبح، وأن أمر الله تعالى لهم بأن يذبحوا بقرة كان ليأكلوها، وفي ذلك تربية نفسية لهم، لأنهم كانوا مع المصريين الذين يقدسون البقر، وكانت فيهم بقية من هذا التقديس بدليل أنهم عبدوا تمثال العجل من بعد ذلك. فكان لابد لاقتلاع هذه البقية من نفوسهم بتكليفهم ذبح البقرة، فكان لذلك الأمر بالذبح، وكان لذلك المجادلة والتلكؤ منهم، فذبحوها وما كادوا يقومون بالذبح.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ كَذَٰلِكَ يُحۡيِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (73)

فلما ذبحوها ، قلنا لهم اضربوا القتيل ببعضها ، أي : بعضو منها ، إما معين ، أو أي عضو منها ، فليس في تعيينه فائدة ، فضربوه ببعضها فأحياه الله ، وأخرج ما كانوا يكتمون ، فأخبر بقاتله ، وكان في إحيائه وهم يشاهدون ما يدل على إحياء الله الموتى ، { لعلكم تعقلون } فتنزجرون عن ما يضركم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ كَذَٰلِكَ يُحۡيِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (73)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَىَ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ }

يعني جل ذكره بقوله : فَقُلْنا لقوم موسى الذين ادّارءوا في القتيل الذي قد تقدم وصفنا أمره : اضربوا القتيل . والهاء التي في قوله : اضْرِبُوهُ من ذكر القتيل ببعضها أي ببعض البقرة التي أمرهم الله بذبحها فذبحوها .

ثم اختلف العلماء في البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة وأيّ عضو كان ذلك منها ، فقال بعضهم : ضرب بفخذ البقرة القتيل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : ضرب بفخذ البقرة ، فقام حيا ، فقال : قتلني فلان ثم عاد في ميتته .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : ضرب بفخذ البقرة ، ثم ذكر مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جرير بن نوح ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة : فقلنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها قال : بفخذها فلما ضرب بها عاش وقال : قتلني فلان ثم عاد إلى حاله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن خالد بن يزيد ، عن مجاهد ، قال : ضرب بفخذها الرجل فقام حيا ، فقال : قتلني فلان ، ثم عاد في ميتته .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الزراق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : قال أيوب عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، ضربوا المقتول ببعض لحمها . وقال معمر عن قتادة : ضربوه بلحم الفخذ فعاش ، فقال : قتلني فلان .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أنهم ضربوه بفخذها فأحياه الله ، فأنبأ بقاتله الذي قتله وتكلم ، ثم مات .

وقال آخرون : الذي ضرب به منها هو البَضْعة التي بين الكتفين . ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش ، فسألوه : من قتلك ؟ فقال لهم : ابن أخي .

وقال آخرون : الذي أمروا أن يضربوه به منها عظم من عظامها . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : أمرهم موسى أن يأخذوا عظما منها فيضربوا به القتيل ففعلوا ، فرجع إليه روحه ، فسمى لهم قاتله ثم عاد ميتا كما كان . فأخذ قاتله وهو الذي أتى موسى فشكا إليه فقتله الله على سوء عمله . وقال آخرون بما :

حدثني به يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : ضربوا الميت ببعض آرابها ، فإذا هو قاعد ، قالوا : من قتلك ؟ قال : ابن أخي . قال : وكان قتله وطرحه على ذلك السبط ، أراد أن يأخذ ديته .

والصواب من القول في تأويل قوله عندنا : فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا أن يقال : أمرهم الله جل ثناؤه أن يضربوا القتيل ببعض البقرة ليحيا المضروب . ولا دلالة في الآية ولا خبر تقوم به حجة على أيّ أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا القتيل به . وجائز أن يكون الذي أمروا أن يضربوه به هو الفخذ ، وجائز أن يكون ذلك الذنب وغضروف الكتف وغير ذلك من أبعاضها . ولا يضرّ الجهل بأيّ ذلك ضربوا القتيل ، ولا ينفع العلم به مع الإقرار بأن القوم قد ضربوا القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها ، فأحياه الله .

فإن قال قائل : وما كان معنى الأمر بضرب القتيل ببعضها ؟ قيل : ليحيا فينبىء نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم والذين ادّارءوا فيه من قاتله .

فإن قال قائل : وأين الخبر عن أن الله جل ثناؤه أمرهم بذلك لذلك ؟ قيل : ترك ذلك اكتفاءً بدلالة ما ذكر من الكلام الدال عليه نحو الذي ذكرنا من نظائر ذلك فيما مضى . ومعنى الكلام : فقلنا : اضربوه ببعضها ليحيا ، فضربوه فحيي كما قال جل ثناؤه : أنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ البَحْرَ فَانْفَلَقَ والمعنى : فضرب فانفلق . يدل على ذلك قوله : كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ المَوْتَى ويُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ .

القول في تأويل قوله تعالى : كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ المَوْتَى .

وقوله : كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ المَوْتَى مخاطبة من الله عباده المؤمنين ، واحتجاج منه على المشركين المكذّبين بالبعث ، وأمرهم بالاعتبار بما كان منه جل ثناؤه من إحياء قتيل بني إسرائيل بعد مماته في الدنيا ، فقال لهم تعالى ذكره : أيها المكذّبون بالبعث بعد الممات ، اعتبروا بإحيائي هذا القتيل بعد مماته ، فإني كما أحييته في الدنيا فكذلك أحيي الموتى بعد مماتهم ، فأبعثهم يوم البعث ، فإنما احتجّ جل ذكره بذلك على مشركي العرب وهم قوم أُمّيون لا كتاب لهم ، لأن الذين كانوا يعلمون علم ذلك من بني إسرائيل كانوا بين أظهرهم وفيهم نزلت هذه الآيات ، فأخبرهم جل ذكره بذلك ليتعرّفوا علم من قبلهم .

القول في تأويل قوله تعالى : وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ .

يعني جل ذكره : ويريكم الله أيها الكافرون المكذّبون بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله من آياته ، وآياته : أعلامه وحججه الدالة على نبوّته لتعقلوا وتفهموا أنه محقّ صادق فتؤمنوا به وتتبعوه .