ثم ذكر الوعيد الشديد على رمي المحصنات فقال : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ } أي : العفائف عن الفجور { الْغَافِلَاتِ } التي لم يخطر ذلك بقلوبهن { الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } واللعنة لا تكون إلا على ذنب كبير .
وأكد اللعنة بأنها متواصلة عليهم في الدارين { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وهذا زيادة على اللعنة ، أبعدهم عن رحمته ، وأحل بهم شدة نقمته .
وبعد أن أمر - سبحانه - المؤمنين بالعفو والصفح عمن استزلهم الشيطان ، فخاضوا فى حديث الإفك ثم ندموا وتابوا ، أتبع ذلك ببيان سوء عاقبة المصريين على خبثهم وعلى محبة إشاعة الفاحشة فى صفوف الجماعة الإسلامية فقال - تعالى - : { إِنَّ الذين . . . . } .
المعنى : " إن الذين يرمون " بالفاحشة النساء " المحصنات " أى : المانعات أنفسهن عن كل سوء وريبة " الغافلات " أى : الغافلات عن أن تدور الفاحشة بأذهانهن ، لأنهن طبعن على التخلق بالأخلاق الفاضلة الكريمة ، فهن فوق كونهن محصنات ، لا يخطر السوء ببالهن لطهارة معدنهن .
" المؤمنات " أى : الكاملات الإيمان بالله - تعالى - ، وبصدق رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبكل ما يجب الإيمان به .
وقوله - سبحانه - : { لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة } أى : طردوا من رحمة الله - تعالى - فى الدنيا وفى الآخرة ، وفوق كل ذلك " لهم " منه - تعالى - " عذاب عظيم " لا تحيط العبارة بوصفه .
جملة : { إن الذين يرمون المحصنات } استئناف بعد استئناف قوله : { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا } [ النور : 19 ] والكل تفصيل للموعظة التي في قوله : { يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين } [ النور : 17 ] ؛ فابتدىء بوعيد العود إلى محبة ذلك وثُني بوعيد العود إلى إشاعة القالة ، فالمضارع في قوله : { يرمون } للاستقبال . وإنما لم تعطف هذه الجملة لوقوع الفصل بينها وبين التي تناسبها بالآيات النازلة بينهما من قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان } [ النور : 21 ] .
واسم الموصول ظاهر في إرادة جماعة وهم عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه .
و { الغافلات } هن اللاتي لا علم لهن بما رُمين به . وهذا كناية عن عدم وقوعهن فيما رُمين به لأن الذي يفعل الشيء لا يكون غافلاً عنه فالمعنى : إن الذين يرمون المحصنات كذباً عليهن ، فلا تحسب المرادَ الغافلات عن قول الناس فيهن . وذكر وصف { المؤمنات } لتشنيع قذف الذين يقذفونهن كذباً لأن وصف الإيمان وازع لهن عن الخنى .
وقوله : { لعنوا } إخبار عن لعن الله إياهم بما قدَّر لهم من الإثم وما شَرع لهم .
واللعن : في الدنيا التفسيق ، وسلب أهلية الشهادة ، واستيحاش المؤمنين منهم ، وحد القذف ، واللعن في الآخرة : الإبعاد من رحمة الله .
والعذاب العظيم : عذاب جهنم فلا جدوى في الإطالة بذكر مسألة جواز لعن المسلم المعيّن هنا ولا في أن المقصود بها من كان من الكفرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.