اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (23)

قوله{[34329]} : { إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات } العفائف «الغَافِلاَت » عن الفواحش «المُؤْمِنَاتِ » والغافلة عن الفاحشة أي : لا تقع في مثلها ، وكانت عائشة كذلك ، فقال بعضهم : الصيغة عامة ، فيدخل فيه قَذَفَةُ عائشة وغيرها{[34330]} .

وقيل : المراد قذفة عائشة .

قالت عائشة : رميت وأنا غافلة ، وإنما بلغني بعد ذلك ، فبينا رسول الله{[34331]} عندي إذ أوحى إليه ، قال : «أبشري » وقرأ : { إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات الغافلات المؤمنات } .

وقيل : المراد جُملة أزواج رسول الله ، وأنهن لشرفهن خصصن بأن من قذفهن فهذا الوعيد لاحقٌ به . واحتج هؤلاء بأمور :

الأول : أن قاذف سائر المحصنات تقبل توبته لقوله في أول السورة : { والذين يَرْمُونَ المحصنات } [ النور : 4 ] إلى قوله : { إِلاَّ الذين تَابُواْ . . . }{[34332]} [ النور : 5 ] .

وأما القاذف في هذه الآية فإنه لا تقبل توبته لقوله تعالى : { لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة } ولم يذكر استثناء .

وأيضاً فهذه صفة المنافقين في قوله : { مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثقفوا }{[34333]} [ الأحزاب : 61 ] .

الثاني : أن قاذف سائر المحصنات لا يكفر ، والقاذف في هذه الآية كافر ، لقوله : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ . . . }وذلك صفة الكفار والمنافقين لقوله{[34329]} : { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ الله إِلَى النار . . . }{[34330]} [ فصلت : 19 ] الآيات{[34331]} .

الثالث : أنه قال : { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } والعذاب العظيم هو عذاب{[34332]} الكفر ، ( فدلّ على أن عذاب هذا القاذف عقاب الكفر ) {[34333]} . وعقاب قذف سائر المحصنات لا يكون عقاب الكفر .

وروي أن ابن عياش{[34339]} كان بالبصرة يوم عرفة ، وكان يسأل عن تفسير هذه الآية ، فقال : «من أذنب ثم تاب قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة » .

وأجاب الأولون بأن الوعيد المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون مشروطاً بعدم التوبة ، لأن الذنب سواء كان كفراً أو فسقاً{[7]} ، فإذا تاب عنه صار مغفوراً .

وقيل : هذه الآية نزلت في مشركي مكة حين كان بينهم وبين رسول الله عهد ، فكانت المرأة إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة قذفها المشركون من أهل مكة وقالوا : «إنها خرجت لتفجر » فنزلت فيهم{[8]} . {[34339]} .


[7]:تقدم.
[8]:ينظر: تفسير القرطبي (20/93).
[34329]:في ب: قوله تعالى.
[34330]:وهو قول الأصوليين.
[34331]:في ب: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[34332]:[النور: 4، 5].
[34333]:من قوله تعالى: {ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا} [الأحزاب: 61].
[34339]:[النور: 24].